أملاكٌ بحريةٌ بالمجان… وروائح صفقة تفوح

هدى علاء الدين

يُشكل بعض الممارسات والقرارات التي تتعلق بالأموال العامة طعماً دسماً من أجل إثارة الشكوك والريبة، خاصة وأنها تحمل في طياتها شبهات كثيرة تجعلها عرضة للتساؤلات المشروعة حول الأهداف والغايات والتوقيت ولمصلحة من يتم إقرارها وتنفيذها. ولأن المسار الاقتصادي والمالي والنقدي في لبنان يختلف اليوم عما كان عليه في العام 2018 لا سيما لناحية سعر صرف الدولار، فإنّ ذلك يُحتم على الدولة الافادة من مواردها بأقصى ما يمكن وعدم التفريط بأموال تدعم خزينتها العاجزة.

من هنا، كان لافتاً المرسوم الذي نشر في الجريدة الرسمية في عددها الثامن في 17 شباط 2022، وحمل الرقم 8789 الخاص بتعديل مرسوم إشغال أملاك عامة بحرية رقم 8119 تاريخ 29/8/1967 تجاه العقار رقم 877 في منطقة ذوق مكايل العقارية (قضاء كسروان الفتوح – محافظة كسروان الفتوح وجبيل)، بحيث أشار إلى أنه وبعد موافقة مجلس الوزراء بقراره الرقم 44 الصادر عام 2018، تم منح شركة ليكويغاز ش.م.ل. بموجب المادة الأولى الترخيص بإشغال واستثمار مساحة 38164 م2 من الأملاك العامة البحرية المتاخمة للعقار رقم 877 من منطقة ذوق مكايل العقارية منها 11464 م2 أملاك عامة بحرية مردومة و26700 م2 سطح مائي. كما نص المرسوم على دفع الشركة المذكورة إلى صندوق رئاسة مرفأ جونية لقاء هذا الإشغال بدلاً سنوياً قدره 252.198.00 ليرة لبنانية، وهو قابلٌ للتعديل عند أي تعديل للمرسوم رقم 3217 تاريخ 28/12/2018.

تُظهر الأرقام أدناه قيمة المبلغ المتوجب على شركة ليكويغاز دفعه بناء على سعري الصرف 1500 (السعر الرسمي) و24000 (سعر الصرف في السوق السوداء)، مع فارق شاسع في القيمتين:

سعر صرف 1500: 252.198.000/38164 = 6.608 آلاف ليرة للمتر المربع أي حوالي 4.4 دولارات.

سعر صرف 24.000: 252.198.000/38164 = 6.608 آلاف ليرة للمتر المربع أي حوالي 30 سنتاً.

هل هذا السعر منطقي في ظل الأزمة التي يعيشها لبنان، ولماذا يتم اعتماد سعر صرف الدولار في السوق السوداء كسعر رسمي، في حين تقوم الدولة اللبنانية بالاستغناء عن أملاكها البحرية مقابل مبالغ زهيدة؟ يقول مصدر مطلع لموقع “لبنان الكبير”: “حتى تسعيرة بدل الإشغال على سعر الصرف الرسمي (1500) ما قبل الأزمة تُعتبر متدنية جداً مقارنة بالأرباح التي ستجنيها الشركة المستثمرة، فكيف لها أن تكون اليوم في زمن تخطى فيه سعر صرف الدولار عتبة الـ 23 ألف ليرة؟”.

استئجار بالمجان

ولماذا لم يتم الانتظار حتى إقرار الموازنة من أجل التأجير والاستثمار بسعر يحاكي واقع الدولار اليوم؟ يلفت المصدر إلى أن “بوادر مقايضة ما تلوح في الأفق، لا سيما وأن أصحاب شركة ليكويغاز مقربون من وزير الطاقة السابق جبران باسيل”. وأشار الى أن “الدولة اللبنانية تحتاج اليوم إلى كل مورد مالي من أجل زيادة إيرادات خزينتها، علماً أن تحصيل مبالغ هذا الاستثمار سيعود إلى مرفأ جونية ومن الممكن الافادة منه من أجل تحسينه كمرفأ سياحي وفق المعايير الدولية”، واصفاً ما يحصل بـ “الكارثة لأن ذلك يدل على قصر نظر وفساد مستشر من الأطراف المعنية كافة ليكون بذلك لبنان قد خسر من أملاكه البحرية أكثر من 38 ألف متر مقابل لا شيئ”. وأكد أن “الدولة التي تحتاج إلى أموال طائلة لانتشال نفسها من الأزمة التي وقعت فيها، لا يحق لها أن تهدر مالاً عاماً عبر تأجير أملاكها البحرية مجاناً في وقت تستطيع من خلالها تحقيق إيرادات هي بأمس الحاجة اليها، علماً أن المسؤولية تفرض عليها ضمان عدم هدر أي من الأموال لصالح جيوب المنتفعين والمستفيدين”.

المرسوم لم يحظ بتغطية إعلامية، وأوضحت مصادر “لبنان الكبير” الخاصة، أن “أنواعاً كهذه من المراسيم يُمنع نشرها وإثارتها أمام الرأي العام خاصة وأنه تم الطلب من بعض وسائل الاعلام المرئية عدم التداول به”، مشيرة إلى أن “هذا المرسوم هو حتماً لصالح شركة ليكويغاز التي نجحت استباقياً في الهروب من دفع الضرائب وفقاً للموازنة الجديدة التي وضعتها الحكومة، لينطبق عليها مبدأ التهرب الضريبي”.

أزمة فساد

من جهته، أسف الخبير الاقتصادي والناشط السياسي رازي الحاج لاستمرار نهج الدولة في التفريط بأملاكها البحرية (أكانت عبر الشواطئ التي تملكها أو عبر المساحات البحرية التي يحق لها تأجيرها والافادة من مردودها). فاليوم، لا تزال هذه الادارة السياسية المتمثلة بالفرقاء المتحكمين بالسلطة وقرارات الرئاسات تضرب عرض الحائط بمبدأ قيام دولة قوية لها مداخيلها الخاصة، ففي ظل عجز كبير في الموازنات يتم تحت جنح الظلام تأجير شركة يتحفظ الحاج عن ذكر اسمها أو علاقاتها السياسية، نظراً الى أن كل من يتعاطى مع الدولة اليوم لديه علاقات سياسية بمكوناتها، مقابل بدل إشغال سنوي يبلغ فقط 252.198.000 ليرة لبنانية (168 ألف دولار على الـ 1500 أو 10.5 آلاف دولار على الـ24000)، خاصة وأن هذا المبلغ يعتبر زهيداً مقارنة بمساحة كهذه في البحر ولشركة تمتلك قيمة رأسمال مرتفع.

وإذ لفت الحاج إلى أن “منطق المحاصصة والصفقات وسياسة تمرير مشروع من هنا مقابل مشروع من هناك يُشكل فضيحة، بحيث لا بد من وضع الرأي العام أمام حقيقة ما يجري بشكل واضح وصريح”، أمل “اعتماد معايير خاصة بالأملاك البحرية تُنظم عملية تأجيرها عبر وجود خبراء يخمّنون القيمة التأجيرية الصحيحة والمدة الزمنية المحددة لها”، معتبراً أن “المطلوب اليوم تحديد معيار تعاطي الدولة مع أصولها وتوحيدها من أجل تحقيق الشفافية وتحسين إيرادات الدولة كي لا تبقى دولة مفلسة لا تُدرك كيفية المحافظة على أموالها بطريقة صحيحة”.

إذاً، يطرح توقيت نشر هذا المرسوم العديد من الأسئلة لناحية المنطق في مرسوم كهذا لا يراعي سعر صرف الدولار اليوم. فأين هي المراقبة والمحاسبة في ظل فوضى عارمة تطغى على كل الملفات؟ وهل سيكون هذا المرسوم غطاءً لتمرير مشاريع آتية؟ وما هي مصلحة الحكومة في استثمار كهذا لا يعود عليها بالمنفعة المالية اللازمة؟ وكيف يمكن منح ترخيص زهيد لأراضٍ كانت دائماً تُعتبر ذات تكلفة عالية للدولة ويُتخذ منها حجة لانشاء معمل في سلعاتا؟ فهل أصبح معمل الذوق ومحيطه اليوم آمناً للاستثمار بعد مطالبات بإغلاقه، علماً أن لديه البنية التحتية اللازمة ومجهز للعمل بحيث يتطلب ذلك استبدال التوربينات على الغاز بأقل تكلفة زهيدة وتوفير ملايين الدولارات؟ أسئلة برسم المسؤولين الرسميين المعنيين… فهل من توضيح؟!

شارك المقال