7 أشهر على الحرب: نزيف الاقتصاد الفلسطيني لا يتوقف

سوليكا علاء الدين

مع دخول الحرب الاسرائيلية على غزة شهرها السابع على التوالي، لا تزال تداعياتها تُثقل كاهل الشعب الفلسطيني واقتصاده، وتلقي بظلالها القاتمة على مؤشرات التنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية كافة. وعلى الرغم من تكرار الدعوات إلى ضرورة وقف إطلاق النار بصورة فوريّة، وتكثيف الجهود لمعالجة الأزمة الانسانية المُلحّة، والبدء بعملية إعادة إعمار شاملة للاقتصاد والبنية التحتية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الا أنّ آلة القتل والدمار ماضية في سياسة الفتك بالبشر والحجر على حد سواء.

وفي هذا الصدد، أطلقت كل من “الإسكوا” و”برنامج الأمم المتحدة الانمائي” في نيسان الماضي تحديثاً للتقويم الأولي والسريع الصادر في تشرين الثاني 2023 بعنوان “حرب غزة: الآثار الاجتماعية والاقتصادية المتوقعة على دولة فلسطين”. وقدّم التقويم الجديد تقديرات محدثة لآثار الحرب بعد ستة أشهر، مع توقعات لسيناريوهات استمرار الحرب لسبعة وثمانية وتسعة أشهر، مُتنبئاً بالأرقام للعواقب الاقتصادية والاجتماعية الوخيمة المترتبة على هذه الحرب الطويلة الأمد.

اقتصاد هش

وفقاً لتقديرات التقويم الجديد، لسيناريو تستمر فيه الحرب لمدة تسعة أشهر، من المتوقع أن يخسر الاقتصاد الفلسطيني 25.8 في المئة في العام 2024، أي ما يعادل 6.9 مليارات دولار مقارنة بالناتج المحلي الاجمالي التراكمي المتوقع قبل الصراع لعامي 2023 و2024، في الأشهر الستة الأولى من الحرب. وفي حال استمرار الحرب، فقد تصل خسارة الناتج المحلي الاجمالي إلى 29 في المئة في العام 2024 (بخسائر إجمالية تبلغ 7.6 مليارات دولار مقارنة بالناتج المحلي الاجمالي المتوقع قبل الصراع لعامي 2023 و2024). وتجدر الاشارة إلى معاناة جميع القطاعات الاقتصادية من ركود عميق، وكان قطاع البناء الأكثر تضرراً بحيث انخفض بنسبة 75.2 في المئة.

فقر مُستعصٍ

تأثيرات الحرب السلبية انعكست على فئات الأسر كافة، إلا أن الطبقة الوسطى كانت الأكثر تضرراً. فقد تعرّض استهلاك هذه الأسر الى تراجع ملحوظ بنسبة 35.6 في المئة بعد 6 أشهر من الحرب، ومن المتوقع أن يصل إلى مستوى أدنى بنسبة38.6 في المئة بحلول الشهر التاسع. كما أشارت التوقعات إلى أن معدل الفقر سيرتفع بصورة ملحوظة من 38.8 في المئة إلى 60.7 في المئة في حال استمرار الحرب لفترة أطول؛ ما سيؤدي إلى هبوط حاد في الطبقة الوسطى حيث سيُجبر العديد من أفرادها على الانزلاق إلى هوّة الفقر. ونتيجة لذلك، سيتضاعف أعداد الأشخاص الذين يعيشون في فقر، ليصل إلى 1.86 مليون نسمة إضافية بعد تسعة أشهر.

بطالة مُزمنة

ومع تواصل الحرب، أظهرت التقديرات المحدثة أن معدل البطالة في كامل دولة فلسطين ارتفع بصورة مطردة، إذ من المتوقع أن يؤدي كل شهر إضافي من الصراع إلى ارتفاع معدل البطالة بحوالي 5.0 نقطة مئوية ليصل إلى 46.1 في المئة بعد ستة أشهر؛ 46.7 في المئة بعد سبعة أشهر؛47.2 في المئة بعد ثمانية أشهر و47.8 في المئة بعد تسعة أشهر. وقد بلغت نسبة البطالة في دولة فلسطين 25.7 في المئة قبل الحرب. وكانت غزة تعاني من معدل “البطالة المفرطة” الذي يبلغ 45 في المئة، مع وصول معدل البطالة بين الشباب إلى ما يقرب من 60 في المئة. وأظهرت تقديرات منظمة العمل الدولية فقدان حوالي 201,000 وظيفة في غزة إلى حدود 31 كانون الثاني 2024.

تنمية غير مستدامة

وحذّر التقويم أيضاً من انخفاض حاد في دليل التنمية البشرية، بحيث خسرت دولة فلسطين أكثر من عقدين منها لتصل قيمة دليل التنمية البشرية الى أقل من القيمة المسجلة في العام 2004، عندما تم حساب الدليل لأول مرة. ويتوقع سيناريو الحرب في غضون 6 أشهر أن يشهد مؤشر التنمية البشرية تراجعاً هائلاً بمقدار 17 عاماً، بينما تُفاقم فرضية امتداد الحرب لـ9 أشهر هذا الانخفاض ليصل إلى أكثر من 20 عاماً. ويُنذر قطاع غزة بمستقبل قاتم على صعيد مؤشر التنمية البشرية، بحيث أشارت جميع السيناريوهات المُفترضة إلى انحدار كارثي للقطاع. وبحسب نتائج المحاكاة، فإن الضفة الغربية ستواجه هي الأخرى تراجعاً ملحوظاً في مؤشر التنمية البشرية، يتراوح بين 13 و16 عاماً.

دمار شامل

وبالتزامن مع ذلك، قدرت الأمم المتحدة كلفة إعادة إعمار قطاع غزة بما بين 30 إلى 40 مليار دولار، مؤكدة أن التعافي من الدمار الهائل وغير المسبوق الذي لحق بالقطاع بسبب الحرب الاسرائيلية الممتدة قد يستغرق 80 عاماً، في مهمّة لم يسبق للمجتمع الدولي أن تعامل معها منذ الحرب العالمية الثانية. فبعد سبعة أشهر من الحرب، وصل إجمالي الركام حتى الآن في غزة إلى 37 مليون طن، مع إشارة آخر البيانات إلى أنه يكاد يبلغ 40 مليون طن. وقال الأمين العام المساعد للأمم المتحدة، عبد الله الدردري: “إن الاقتصاد في قطاع غزة خسر في الربع الأخير من العام 2023، 81 في المئة من حجمه، بحيث تمّ تدمير 72 في المئة من الأبنية السكنية بصورة كلية أو جزئية. كما تراجعت التنمية البشرية في غزة بكل مكوناتها من صحة وتعليم واقتصاد وبنى تحتية 40 عاماً، وبالتالي فإن إعادة البناء قد تستغرق عقوداً من الزمن، والشعب الفلسطيني لا يملك رفاهية عقود من الزمن، لذلك من المهم إعادة الحياة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية خلال السنوات الثلاث الأولى بعد وقف إطلاق النار.

وفي مطلع نيسان الماضي، أفاد تقرير مشترك للبنك الدولي والأمم المتحدة، بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي، بأنّ حجم الدمار الذي لحق بالبنية التحتية الحيوية، وصل إلى نحو 18.5 مليار دولار، أي ما يعادل 97 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للضفة الغربية وقطاع غزة معاً عام 2022. واستخدم تقرير التقويم المؤقت للأضرار تقنيات جمع البيانات عن بعد لتقويم الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية المادية في القطاعات الحيوية خلال الفترة من تشرين الأول 2023 إلى نهاية كانون الثاني 2024.

إعمار شاق

لا شك في أنّ إعادة إحياء الاقتصاد وإعادة الحياة إلى ما يقارب مستواها قبل الحرب، هي رحلة مُنهكة وطويلة، وتتطلب على مدار سنوات طويلة التزاماً راسخاً وجهداً واسعاً بين جميع الجهات المعنية من أجل ضخ أموال هائلة تُقدّر بعشرات المليارات من الدولارات للنهوض والتعافي. ولا تقتصر عملية إعادة إعمار ما خلفته الحرب على تشييد المباني والمؤسسات وإحياء البنى التحتية، بل تقتضي قبل كلّ شيء “إعمار الإنسان”، بحيث تُعد ركيزة أساسية لا غنى عنها في هذا المسار الشاق، مع تجاوز عدد من يحتاجون إلى رعاية نفسية 400 ألف شخص على الأقل.

شارك المقال