شراء العقار للتحوّط يشحّ… ولا طفرة إلا باستعادة الثقة

المحرر الاقتصادي

لطالما كان قطاع العقارات ركيزة أساسية لاقتصاد لبنان. فهو كان يشكل ما نسبته 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

على مدى السنوات الماضية، كانت السوق العقارية مستقرة نسبياً، مع فترات صعود وهبوط، ومن عام إلى آخر، خصوصاً بعد العام 2011 حين بدأ الاقتصاد يسجل تراجعات كبيرة نتيجة مجموعة من العوامل السياسية والأمنية والاقتصادية الداخلية والإقليمية.

فمنذ الانقلاب على الحكومة الأولى للرئيس سعد الحريري في بداية العام 2011 وتشكيل حكومة من لون واحد كان وقعها سلبياً جداً على النمو الاقتصادي، وقرار “حزب الله” التدخل في الحرب السورية وتصميم “التيار الوطني الحر” منذ ذلك الحين على أخذ القرار الاقتصادي رهينة قراراته السياسية الخاطئة، كان قطاع العقارات هو من دفع الثمن. فالتطورات السياسية في حينه دفعت بالمستثمرين العرب إلى الإحجام عن الاستثمار في العقار في لبنان ولجوء بعضهم إلى بيع عقاراتهم. وسجلت الاستثمارات الخارجيّة المباشرة تراجعاً كبيراً بعدما كان بلغ في “أيام العز” في العام 2010 حوالي 3,47 مليارات دولار. وتراكم مخزون من العقارات السكنية برسم البيع على مرّ السنوات القليلة الماضية حيث قُدرت الأموال المجمدة فيها بحوالي 6 مليارات دولار في حينه.

وقد تنامى ضعف القطاع مع اعتماد سياسة فوائد مرتفعة كان الغرض منها جذب الأموال والودائع من الخارج التي باتت شحيحة (سجل نمو الودائع نسباً أقل من نسب نمو العجز)، وذلك من أجل تمويل العجز في الموازنة.

مشهد ايجابي

لكن المشهد انقلب ايجاباً بعد الأزمة الاقتصادية في العام 2019. فالضوابط غير القانونية التي وضعتها المصارف على سحب الودائع وانخفاض قيمة العملة المحلية، دفعت بالمودعين إلى التصويب على العقار بهدف تحرير أموالهم العالقة والاستثمار في أصول “آمنة” نسبياً. من جهتهم، مطورو العقارات كانوا مستعدين للبيع بسرعة لسداد ديونهم المستحقة للمصارف عبر الشيكات التي كانوا يتقاضونها من المشترين، ما ساهم في تحريك هذه السوق الراكدة من جهة وفي خفض محفظة التسليفات لدى المصارف من حوالي 60 مليار دولار في نهاية العام 2018 إلى 35.5 ملياراً في نهاية شباط 2021 من جهة أخرى.

كما قام بعض المودعين بتحويل مدخراتهم إلى شراء سهمي “سوليدير” اللذين ارتفع سعرهما بنسبة فاقت 200 في المئة بين 2019 و2020 ليصل السعر اليوم إلى 24.6 دولاراً لسهم “سوليدير” فئة “أ” و24.7 دولاراً للسهم “ب”.

باختصار كان الطلب على العقار مرتفعاً بسبب انتقال مدخرات العديد من المودعين نحو القطاع العقاري، فيما بقي العرض جامداً نتيجة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي الراهن، إضافة إلى ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق وانخفاض قيمة العملة المحلية، في ظل مناخ عام من عدم الاستقرار، الأمر الذي زاد من تكاليف البناء. علماً أن معظم المواد التي يتم شراؤها لغرض البناء تأتي من مصادر خارجية. وهو ما يفرض على المطوّرين الذين لا يستطيعون تحويل الأموال إلى الخارج، الاعتماد على المعاملات النقدية. وبالتالي، مع الارتفاع الحاد في أسعار العقارات بالدولار المحلي (اللولار)، معطوفاً على الوضع السياسي الحالي في لبنان، فإن تطوير المشاريع العقارية يسجل إقبالاً خجولاً جداً.

وهو ما بيّنته الاحصاءات الصادرة عن المديرية العامة للمساحة والسجل العقاري. فعلى مستوى الطلب، حققت قيمة مبيعات العقارات في نهاية العام 2020، زيادة كبيرة نسبتها 110.4 في المئة على أساس سنوي لتبلغ 14.3 مليار دولار. وارتفع عدد المبيعات العقارية بشكل ملحوظ، من حوالي 50 ألف عملية في 2019 إلى حوالي 82 ألفاً في 2020. وزادت الرسوم العقارية بنسبة حوالي 108 في المئة حتى تشرين الأول 2020 (الإحصاءات المتوافرة إلى اليوم من قبل وزراة المالية). في المقابل، تقلّصت حصّة الأجانب من عمليّات المبيع العقاريّة إلى 1.53 في المئة مع نهاية الشهر الأخير من العام 2020، من 1.97 في المئة في نهاية العام 2019.

أما من ناحية العرض، الذي تكوّن مخزونه القائم على مدى السنوات الأخيرة، فإن المساحة الإجمالية لرخص البناء الجديدة، والتي تشكل مؤشراً على حركة البناء المسقبلية، استمرت في الانحسار في 2020. وبيّنت إحصاءات نقابتي المهندسين في بيروت والشمال أن المساحة الإجمالية لرخص البناء الجديدة بلغت 4 ملايين و465 ألف متر مربع في العام 2020 مقابل 5 ملايين و735 ألفا في 2019. وانسحب التراجع أيضاً على تسليمات الإسمنت في تعبير واضح عن ضعف حركة البناء.

الباعة المحتملون

في ضوء سداد المطورين قروضهم المصرفية، مَن هم الباعة المحتملون المتبقون؟ لقد أصبحت السوق العقارية اليوم أكثر صعوبة بالنسبة لاعتماد الشيكات المصرفية. فمن لديه وحدات سكنية فارغة لن يبيعها مقابل شيك مصرفي لن يستطيع تحريره، وإنما سيطالب بالدولار النقدي. وهذا يؤشر على أن السوق العقارية في 2021 لن تشهد الطفرة التي حصلت في 2020. فالمطور غير المديون لن يغامر بيبع العقار بسعر منخفض، ومَن يريد شراء عقار لن يدفع سعراً مرتفعاً في الوقت الراهن. هذا الوضع قد يستمر حتى العام المقبل، ما سيدفع أسعار العقارات نزولاً. فالمستثمرون ولاسيما الصغار منهم، قد يلجأون إلى بيع عقاراتهم بأسعار أدنى مما كانوا يراهنون عليها لحاجتهم إلى المال. ولا حل مستداماً لاستعادة هذه السوق وهْجها إلا في حال أثبتت السلطة السياسية قدرتها على استعادة الثقة الداخلية والخارجية، وتعزيز الاستقرار السياسي والأمني، واستعادة التفاوض مع صندوق النقد الدولي وتنفيذ ٍجذري وعميق للإصلاحات الهيكلية المنشودة على الجبهتين المالية والاقتصادية، وتحفيز دول الخليج لرعاياها ولاسيما رجال الأعمال منهم على العودة مجدداً إلى لبنان. عندها فقط سوف يتم وضع سوق العقارات على السكة الصحيحة للنمو.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً