ميزان المدفوعات: العجوزات تتوالى في الموجودات الخارجية لـ”المركزي”

المحرر الاقتصادي

في التعريف العلمي لميزان المدفوعات أنه السجل الذي يتم فيه تسجيل المعاملات الاقتصادية كافة التي يقوم بها الأفراد والمؤسسات والشركات في دولة ما، مع الأفراد والمؤسسات والشركات في بقية دول العالم، ومن ثم يتم تسجيل العمليات المالية التي تتم بينهم سواء التي تدفعها الدولة أو التي تحصلها وذلك خلال مدة زمنية عادة سنة.

هذا التعريف المبسط يشير من دون التباس إلى أهمية مؤشر ميزان المدفوعات المؤلف من الميزان التجاري وميزان الرساميل، حيث إن العجز الذي يُسجّله يدل على طبيعة الأزمة وعمقها التي يواجهها أي اقتصاد في العالم. فكيف بالحري الاقتصاد اللبناني الذي يعتاش من التدفقات بالعملات الأجنبية؟

قبل أكثر من عشر سنوات، كان ميزان المدفوعات يحقق فوائض عكست حقيقة الدور الذي لعبه لبنان في المنطقة، من حيث جذب الرساميل والاستثمارات والخدمات المالية والتجارية والسياحية التي كان يوفرها.

لكن تحوُل هذا الميزان من ايجابي إلى سلبي بدءاً من العام 2011 والذي جاء نتيجة تراجع شهية المستثمرين بعد الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري واعتماد “التيار الوطي الحر” و”حزب الله” سياسات نفّرتهم وهزت ثقتهم باقتصاد لبنان، شكّل الانذار الأكثر فضاحة بأن لبنان مقبلٌ على أزمة مالية ونقدية ومصرفية خطيرة. اذ بات ميزان الرساميل غير قادر على التعويض عن العجز الكبير في الميزان التجاري، ولكن من دون أن يدفع السلطة السياسية إلى اتخاذ خطوات تصحيحية تعالج هذا الاختلال أو اعتماد خطّة إنقاذيّة لتفادي الانهيار الآتي.

وقد أرخت هذه العوامل بثقلها على قدرة لبنان على تأمين حاجاته التمويلية بالعملات الأجنبية والتي كانت تُقدّر بالمتوسط بنحو 20 مليار دولار سنوياً. الأمر الذي خلق المزيد من الضغوط على موجودات مصرف لبنان الخارجية، لا سيما مع تسجيل ميزان المدفوعات عجوزات تراكمية كبيرة بعد فوائض بقيمة 25.4 مليار دولار بين 2002 و2010، وفي ظل ضعف نمو الودائع المصرفية بتدفقات جديدة من الخارج والتي تعتبر مصدراً أساسياً لتمويل العجز الكبير في الحساب الجاري وفي الموازنة العامة. هذا الأمر اضطر المصرف المركزي إلى إجراء هندسات مالية من أجل جلب ودائع من الخارج بالعملات الصعبة، بعدما استشعر باقتراب أزمة مالية خطرة قد يقبل عليها لبنان لاسيما بعد تسجيل ميزان المدفوعات عجزاً في 2015 كان الأعلى منذ عقدين (3.35 مليارات دولار).

وقد استمر هذا المنحى التراجعي في ميزان المدفوعات إلى العام 2019 حيث بلغت الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية المركبة أوجّها مع تراجع ملحوظ في الاحتياطات بالعملات إلى أن وصلت فجوة العجز في هذا الميزان إلى 10.57 مليارات دولار في نهاية العام 2020 مقارنة بعجز 5.85 مليارات دولار في 2019. والسبب هو تراجع الموجودات الصافية بالعملات الأجنبية لمصرف لبنان بقيمة 14.27 مليار دولار والذي فاق بكثير ارتفاع الموجودات الصافية بالعملات الأجنبية للمصارف التجارية التي سجلت 3.72 مليارات دولار.

أما في الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، فسجل ميزان المدفوعات عجزاً تراكمياً قدره 847.2 مليون دولار 2021، مقارنة بعجز مليار و662 مليون دولار في الفترة نفسها من العام 2020. إذ استمرت الموجودات الصافية بالعملات الأجنبية لمصرف لبنان بالتراجع بلغت قيمته مليار و854 مليون دولار في مقابل زيادة الموجودات الصافية بالعملات الأجنبية للمصارف التجارية بواقع حوالي مليار دولار.

على أساس شهري، بلغ عجز ميزان المدفوعات 95.9 مليون دولار، حيث انخفضت الموجودات الصافية بالعملات الأجنبية لمصرف لبنان بمقدار 766.3 مليون دولار، وارتفعت الموجودات الصافية بالعملات الأجنبية للمصارف التجارية بمقدار 670.4 مليون دولار.

ويُعزى الانخفاض في الموجوات الأجنبية الصافية بالعملات لمصرف لبنان إلى الدعم المستمر للسلع الأساسية بما في ذلك الأدوية والوقود.

السؤال المطروح اليوم هو لماذا يستمر ميزان المدفوعات في تسجيل عجوزات ضخمة فيما عجز الميزان التجاري الذي يشكل أحد مكونيه الأساسيين، يتراجع بقوة. فإذا دققنا في الأرقام الصادرة عن الميزان التجاري الذي يمثّل الفارق بين الصادرات والواردات، نلاحظ أن العجز انخفض بشكل كبير. اذ تم تسجيل انخفاض كبير في الواردات نسبته 43.7 في المئة الّذي نتيجة تدهور القوّة الشرائيّة وانهيار قيمة عملته الوطنيّة، في مقابل انخفاض طفيف في الصادرات بنسبة 4.6 في المئة في الأشهر الـ11 الأولى من العام الماضي. فهل يعني هذا الأمر أن كميّات من الدولارات لا تزال تخرج من البلد؟

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً