اقتصاد “الكاش”… كل زيادة 1% في النقد المتداوَل يرفع التضخم 1.29%

المحرر الاقتصادي

يوماً بعد آخر، يتحول الاقتصاد اللبناني إلى الاقتصاد النقدي أو ما يعرف باقتصاد “الكاش”. بمعنى آخر، يتحول لبنان من نظام مالي ومصرفي يحترم كل الاتفاقات الدولية ويلتزم المعايير المالية والمحاسبية الدولية ومراقب من الجهات المالية المسؤولة دولياً، إلى اقتصاد قائم على “الكاش” والمعروف أنه أخطر اقتصاد في العالم. فهذا النوع من الاقتصادات، يثير قلق المصارف التجارية والمركزية الأجنبية والمصارف الأجنبية المراسلة نتيجة لارتفاع مخاطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب نتيجة السحوبات والإيداعات النقدية الكبيرة التي تتم بالتوازي مع التحويلات الصادرة والواردة، مع اعتماد التجار على النقد الورقي في تعاملاتهم.

أما مؤشرات التحول إلى اقتصاد “الكاش” فباتت معروفة للجميع… الاستمرار في طباعة الأوراق النقدية التي تزيد وتيرتها بشكل سريع والتي تؤدي حكماً إلى ارتفاع معدل التضخم وتهاوي القدرة الشرائية للعملة. وهو ما يظهره التوسع الكبير في النقد في التداول الذي سجل حتى 22 نيسان 2021 (الأرقام الرسمية لمصرف لبنان) مستوى 47 ألفا 936 مليار ليرة أو ما يعادل 31.8 مليار دولار، من حوالي 22 ألف مليار ليرة أو 14.7 مليار دولار في نيسان 2020، أي بارتفاع نسبته 115 في المئة. وكان يبلغ نحو 17 ألف مليار ليرة عام 2019.

ما يحصل أن مصرف لبنان يضخ شهرياً حوالي ألفي مليار ليرة في الاقتصاد كمعدل وسطي.

ويمثل المستوى الذي بلغه النقد في التداول ما نسبته 23.8 في المئة من مجمل المعروض النقدي، فيما كان يمثل في نيسان 2020، ما نسبته 11.3 في المئة. هذا الارتفاع في نسبة النقد المتداول من المعروض النقدي، يشير إلى تحوّل الاقتصاد اللبناني إلى اقتصاد “الكاش”.

سببان أساسيان أدّيا إلى توجه مصرف لبنان نحو طباعة العملة هما:

-أولاً، أن المصرف المركزي مجبر بموجب قانون النقد والتسليف أن يسد الفجوة المالية في موازنة الدولة، ولاسيما في تمويل العجز. فالحكومة تحتاج شهرياً إلى ألف و300 مليار ليرة لسداد بند الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام، ودفع خدمة الدين بالليرة. هذا المبلغ غير متوافر في ظل التراجع الكبير في الإيرادات مقابل تنامي النفقات. من هنا، فإن مصرف لبنان مضطر إلى طباعة العملة لتغطية هذا النوع من الإنفاق وتقليص الفجوة المالية.

– التعميم الرقم 151 القاضي بسحب الأموال المودعة من المصارف بالدولار على سعر صرف 3900 ليرة مقابل الدولار الواحد.

يقول البنك الدولي في تقريره الفصلي الأخير الذي حمل عنوان “لبنان يغرق”، أن الأثر التراكمي لكل زيادة بنسبة 1 في المئة في النقد في التداول على التضخم، هو في حدود 1.29 في المئة. أي أن زيادة العملة المتداولة بنسبة 100 في المئة تؤدي إلى زيادة الأسعار بنسبة 129 في المئة سنوياً، أي بمتوسط يبلغ حوالي 10.75 في المئة شهرياً.

السؤال الذي يطرح اليوم، هو كيف سينجح مصرف لبنان في امتصاص هذه الكتلة النقدية فيما لا تزال أسباب طبع العملة مستمرة لاسيما لتمويل عجز الموازنة، وفي وقت يعلن التفاوض مع المصارف التجارية لكي يتمكن المودعون من سحب 25 ألف دولار على أن تقابلها 25 ألفاً أخرى تدفع بالليرة؟ ما يعني أن مبالغ أخرى سيصار إلى ضخها في السوق ما سيفاقم معدلات التضخم من دون أدنى شك في ظل نمو سلبي.

في هذه النقطة نشير إلى انه لم يحصل أي تقدم حول مبادرة حاكم مصرف لبنان هذه، وسط معلومات أن المصارف ترفض مطلقاً أن تدفع بالدولار “الفريش”، وهي غير القادرة أصلاً على تأمين متطلبات اقتراح قانون الكابيتال كونترول.

وقد قامت بعض المصارف بإرسال رسائل نصية إلى مودعيها تعلن فيها أنها رفعت سقف سحوبات ودائعهم الدولارية بالليرة، وذلك بهدف مبطن هو تقليص عدد الحسابات الموجودة لديها بالعملات الأجنبيّة من جهة وتقليص حجم إلتزاماتها تجاه هذه الحسابات من جهة أخرى. وهو بالتأكيد اجراء استباقي لمرحلة السحب بالدولار النقدي أملاً من المصارف بخفض حجم هذه السحوبات بالدولار في المستقبل.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً