أزمة البنزين بين وعود الإنفراج وغياب حل مستدام

فدى مكداشي
فدى مكداشي

يستورد لبنان البنزين بدعم من الدولة اللبنانية منذ سنوات وأزمة البنزين كانت سابقاً تخضع لتقلبات الدولار، وهي أزمة كلّفت الخزينة مبالغ طائلة نتيجة دعم هذا القطاع بالدولار، واليوم يَظهر جلياً حجم الاضطراب الذي يعيشه قطاع المحروقات، في غياب الرقابة على الشركات ومحاسبتها على تخزين البنزين طمعاً بأرباح تجنيها مع الحديث عن رفع الدعم، فشحت مادة البنزين في الأسواق، ما أدى الى اضطراب على أرض الواقع، ومن منا لم ير المشاهد الصباحية والمسائية لطوابير “الذل” على المحطات التي حوّلت لبنان إلى موقف للسيارات، وتحولت هذه المحطات الى مسرح للجريمة والمشاجرة وفورة غضب المواطن والسلاح المتفلت مما يهدد أمن الناس وسلامتهم.

ماذا يستنتج من واقع الحال في أزمة المحروقات والبنزين؟ المواقف المعلنة من قبل المسؤولين تزيد من الصورة الضبابية ولا تطرح حلولا مستقبلية وانما تدور في إيجاد متنفسات صغيرة مؤقتة، لا تعالج حجم المشكلة، فوزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر تحدث عن وجود ٦٦ مليون لتر مخزون بمستودعات الشركات، وأوضح مصرف لبنان في بيان حجم المبالغ المصروفة على قطاع المحروقات حتى تاريخ أيار ٢٠٢١ وتأثير التهريب على حجم الدعم الذي يتكلفه المركزي على هذا القطاع، أما تجمع الشركات المستوردة للنفط والغاز في لبنان apic فقال إن “الكميات المطلوبة من البنزين والديزل لتغطية السوق اللبناني حوالي ١٠ ملايين لتر يومياً، علما أن معدل استهلاك الديزل في لبنان هو مرتفع بسبب انقطاع الكهرباء وتشغيل المولدات بفترة تفوق الـ٢٠ ساعة في الـ٢٤ وأكثر من المعدل الطبيعي تقريبا بـ٢٠٪”.

إذا كيف ستحل أزمة البنزين؟

مشكلات القطاع

يؤكد أمين سر نقابة أصحاب المحطات حسن جعفر أن “المسؤول الأول والحصري لتخزين المحروقات من بنزين ومازوت هي الشركات، وهناك دوريات من الأمن العام ووزارة الاقتصاد تكشف على المحطات. ويحاول مصرف لبنان أن يدعم من ٢-٣ بواخر في الشهر لكل لبنان مما يؤثر سلباً على السوق المحلي”، متمنياً على المركزي أن “يفتح الأسبوع المقبل الاعتمادات ليرتاح السوق”.

ومن جهته، يشدد عضو نقابة أصحاب المحطات جورج براكس على “ضرورة وضع الشركات مخزوناً استراتيجياً لتغطية شهراً كاملاً من الاستهلاك كحد أدنى”.

انعكاسات الأزمة

أثر تدهور سعر الليرة اللبنانية سلباً على سعر صفيحة البنزين. وبرأي الخبير في الشؤون الاقتصادية والمالية الدكتور بلال علامة أن “الصفيحة تباع في لبنان بـ٣ دولارات على سعر السوق الموازية، بينما فعلياً وبمعدل وسطي في كل دول العالم تباع صفيحة البنزين بـ١٢ دولاراً كحد أدنى. وبالتالي، الفارق هو بحدود ٨-٩ دولارات وهي مدفوعة جميعها من مصرف لبنان. وتتوقف كلفة الدعم بالدولار على حجم الاستهلاك وهو لا شك تراجع خلال عامي ٢٠٢٠ و٢٠٢١ وقد تصل المبالغ التي تدفع لدعم البنزين الى مليار دولار سنوياً بحال بقي معدل الاستهلاك على ما هو”.

وعن قيمة استيراد المشتقات النفطية سنوياً، يشير براكس الى أن “مصرف لبنان يستورد ما بين 3-3.2 مليار دولار سنوياً وقد حدد منذ سنة مبلغ 250 مليون دولار شهرياً لاستيراد المحروقات، عندما كان برميل النفط بين 25-30 دولار أميركي، أما اليوم فيبلغ سعر برميل النفط 72 دولاراً أميركياً أي أصبحنا نستورد ثلث الكمية من المحروقات مما تسبب بالأزمة”.

التخزين

من الواضح أن المواطن اليوم أضحى عالقاً بين المستوردين والموزّعين الذين يريدون أن يجلبوا كمية أكبر من البنزين قبل رفع الدعم، ما يشكل مزيداً من الضغط على مصرف لبنان من خلال أخذ الناس رهائن لفتح اعتمادات إضافية، ليستوردوا كميات إضافية من المحروقات.

وفي هذا الإطار، يشير الدكتور علامة إلى أن “بعض الشركات تمادت في تخزين كميات كبيرة طمعاً بجني أرباح غير مشروعة في حال تم رفع سعر صفيحة المحروقات لاسيما أن التوقعات التي تتعلق بأسواق النفط تشير إلى إمكانية ارتفاع سعر النفط عالمياً”.

وأبرز هذه الشركات الكبرى، بحسبه: “شركات “هيبكو” التي يمكلها آل البساتنة، “كورال” التي يشترك في ملكيتها سياسيون، و”ميدكو” التي يديرها رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط والغاز مارون شماس. ويوجد أيضاً شركات أخرى عاملة في السوق اللبناني مثل “توتال” و”موبيل” و”يونايتد” و”ليفانت” ولكنها أقل مسؤولية في عملية التخزين، لأن الكميات التي تستوردها أقل. وبحسب مديرية الجمارك اللبنانية، فإن كميات البنزين التي أدخلت إلى لبنان بلغت مليون ومائتي ألف طن”.

التهريب المنظّم

ولا شك ان تهريب المحروقات من لبنان الى الجوار تسبب بأزمة كبيرة وجعل القطاع يترنح ويضطرب. ففي ١٦ نيسان أدلى وزير الطاقة ريمون غجر، بتصريح أشار فيه الى أن “السبب الرئيسي خلف أزمة الوقود هو التهريب الى سوريا. فسعر صفيحة البنزين في لبنان هو ٤٠ ألف ليرة بينما تباع في سوريا بـ١٤٠ ألف ليرة وهو ما يعادل ما بين ٢٣ – ٢٥ دولاراً أميركياً، ما يعني أن فارق السعر سيظل سبباً رئيسياً لتهريب الوقود الى دول الجوار”.

ويشير عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي الدكتور أنيس بو دياب إلى أن “التهريب يكلّف الدولة ثلاثة مليارات دولار أميركي سنوياً. وهناك من ٨٠٠ مليون الى مليار دولار أميركي سنويا تهريب ما بين مازوت وبنزين الى الخارج”.

وعن حاجة السوق اللبناني من البنزين، يقول براكس: “لدينا مبدئياً 5.5 ملايين لتر بنزين أما حاجة البلد هي 6 ملايين لتر في النهار. ولكن عندما تكون المحطات متوقفة عن العمل في بعض المناطق، واستهلاكنا يرتفع بنسبة 10-15 في المئة يعني أن جزءاً يتبخر وهذا ما نسميه بالتهريب”.

القانون والحد من الاحتكار

ويقول عضو المجلس الاقتصادي ـــــ الاجتماعي والباحث القانوني صادق علوية عن تقاعس الدولة في الرقابة والتدقيق الفعليين، أنه “من حق المعنيين وواجبهم في وزارتي الطاقة والاقتصاد حجز المستودعات والمستوعبات ولا يمكن لأي وزير أو جهة معنية أن يتحجج بأنه يريد إذنا من القضاء”، مشيراً إلى أن “هناك المرسوم الاشتراعي رقم 73 الموجود منذ عام 1983 وقانون حماية المستهلك منذ عام ٢٠٠٥ وقرارات الدعم المشروطة بالتعهد بتسليم هذه البضائع المدعومة للمواطنين، ولكن المعضلة الكبرى اليوم هي أن هؤلاء المستوردين والموزعين يمثلون الكم الأكبر من الجهات السياسية في البلد”.

اقتراح ٩٨ أوكتان

تم الحديث عن رفع الدعم عن البنزين ٩٨ أوكتان، لاستباق الدعم على الـــ ٩٥ مع فقدانه، أحجمت الشركات المستوردة عن استيراد البنزين ٩٨ أوكتان، نظراً للتعقيدات التي تتعلق بعملية الدعم وفتح الاعتمادات، لذلك حالياً لا يوجد بنزين ٩٨ أوكتان في السوق اللبناني ولا يمكن العودة إلى تأمين هذه المادة، إلا بعد استقرار السوق في الكامل. ويعتبر جعفر أن إيجابيات هذا الطرح أنه “أولا، مخصص للناس الميسورة ذوي أصحاب السيارات الجديدة. وثانياً، يخفف الضغط بنسبة 20%عن البنزين المدعوم”.

لكن براكس يرى أن “وزارة الطاقة ليس لديها استعداد للتجاوب مع هذا الموضوع من منطلق إما يتم رفع الدعم عن البنزين كله أو لا”، معتبراً أن “المبالغ المخصصة لاستيراد الــ98 تمكننا من جلب أكبر عدد من الـ95 أوكتان”.

حلول مستدامة

ومن أجل وضع حد لهذه الأزمة وإيجاد حلول مستدامة، ترى مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط لوري هايتيان أن الحل المستدام والمنطقي يتجه نحو رفع الدعم عن المحروقات في المقابل يجب الاستثمار بالنقل العام المشترك.

من جهته، يقترح براكس “خفض الدعم بنسبة 22 في المئة شهرياً، وفي الوقت عينه إقرار قانون البطاقة التموينية في مجلس النواب للتعويض على المواطن. وفي الوقت عينه، على كل من وزارتي الطاقة والاقتصاد والأجهزة الأمنية التوقف عن تسليم المحروقات للتجار وتوزيعها على المحطات مباشرة وبالتالي إلى المواطن”.

بدوره، يرى الباحث في الشؤون الاحصائية الدكتور عباس طفيلي أن “الحل الجذري للمحروقات هو استيراد المحروقات من دولة إلى دولة الذي هو كفيل بخفض الفاتورة النفطية والعمل مع دول الجوار على فتح مصفاة تكرير النفط في طرابلس التي تنتج حاجتنا والتي بدورها نستطيع أن نصدّر للخارج ونعود كما كنا في السابق لننتج ٢١ ألف برميل نفط يومياً والذي كان يكفي للاستهلاك المحلي”.

أزمة طويلة

وعما يتم تداوله في الإعلام مؤخراً بشأن فتح اعتمادات ٧ بواخر، يوضح الدكتور علامة أنه “من الغريب أن يشار إلى أنه تمت الموافقة على فتح اعتمادات لـ٧ بواخر تنتظر بالمياه الإقليمية اللبنانية خلال فترة ٦ ساعات. علماً أنه من المعروف أن استقدام بواخر البنزين بحاجة الى تقديم طلب مسبق لمصرف لبنان قد يستغرق دراسته والموافقة عليه مدة عشرة أيام. لو سلمنا جدلاً أن سبعة بواخر ستفرغ حمولتها مضافة إلى الـ٦٦ مليون ليترا المخزنة لدى الشركات بحسب تصريح وزير الطاقة ريمون غجر، فإن الكميات كافية لمدة ٢٠ يوماً على اعتبار أن السوق بحاجة يومياً الى ٥ ملايين لتر”.

ويرى أن “ما يحصل حالياً والتشدد من قبل مصرف لبنان بفتح الاعتمادات هو جرس إنذار لضرورة رفع الدعم وتغيير سعر صفيحة البنزين في السوق اللبناني لمكافحة التهريب وإعادة ترشيد الاستهلاك وبنفس الوقت تخفيف تكلفة الدعم عن مصرف لبنان من أموال الاحتياطي الإلزامي في حال استمراره”.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً