إضراب المصارف… عقاب لمن؟

هدى علاء الدين

دخلت جمعية المصارف على خط الأزمة من جديد معلنة الاضراب العام إلى حين تأمين المعالجة السريعة للأزمة النظامية والوجودية لها ولمودعيها وللاقتصاد الوطني، وذلك عقب اجتماع عقدته من أجل التداول في نتائج بعض القرارات والاستدعاءات القضائية الأخيرة. الجمعية التي عادة ما تلجأ إلى الاضراب كوسيلة تعبيرية عن امتعاضها من بعض الاجراءات، عزت قرارها إلى مجموعة أسباب رئيسة، معتبرة أن إلزام المصارف بالتعامل النقدي يجعلها في استحالة مكافحة تبييض الأموال ويُخرجها من النظام المصرفي العالمي لا سيما وأنه يفرض توافر مبالغ نقدية هائلة لا توجد حتى لدى أكبر المصارف في العالم، في وقت أن إمدادها بالمبالغ النقدية من مدينيها وعلى رأسهم الدولة اللبنانية ومصرف لبنان، غير متوافر أو مقيد حتى بالليرة اللبنانية.

وبحسب الجمعية، فإن أي حل فردي ولو خيّل للبعض أنه يًشكل انتصاراً لصاحبه، إنما هو على حساب سائر المودعين وخسارة لهم، مشيرة إلى أن الأزمة تطال النظام المالي والمصرفي بكامله، بدءاً من الدولة إلى مصرف لبنان ثم إلى المصارف. وأكدت أنه لا يمكن حلّ هذه الأزمة النظامية سوى عبر تسريع الحلول التي طال اعتمادها، وفي طليعتها قانون “الكابيتال كونترول” وقانون إعادة هيكلة المصارف. ورأت الجمعية أنه لا يمكن حلّ هذه الأزمة النظامية عن طريق الاستدعاءات التعسفية بحق المصارف بشبهة تبييض الأموال، بناء لطلب غير بريء ممن ليسوا حتى مودعين في هذه المصارف، بهدف الضغط عليها وإلزامها بمخالفة قانون سرية المصارف وتعريضها للملاحقة الجزائية، مطالبة الدولة بإقرار قانون معجل مكرر يلغي بصورة كاملة وبمفعول رجعي السرية المصرفية، ويسمح للمصارف بمنح المعلومات المصرفية على جميع حسابات زبائنها وفي طليعتهم القيمين على إدارتها ومساهميها وسواهم، إلى من يشاء من السلطات القضائية وغيرها، فتنتهي مهزلة الاتهامات والشكوك التي تساق بحقها وبحق مساهميها.

من جهته، أعلن المرصد الأوروبي للنزاهة في لبنان أن التحقيقات الأوروبية مستمرة والتحقيق مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سيحصل حتماً، مشيراً إلى أنه بعد المحاولات التي جرت سابقاً عبر قنوات ديبلوماسية لتأخير تلك التحقيقات وعدم نجاحها، هناك اليوم محاولات من الداخل لعرقلتها. واعتبر المرصد أن أحد الأهداف الأساسية لاضراب المصارف هو منع تنفيذ المذكرة التي تقدمت بها مدعي عام جبل لبنان بالاستئناف القاضية غادة عون والتي طالبت بها 7 مصارف لبنانية برفع السرية المصرفية عن حسابات كبار العاملين من حاليين وسابقين في القطاع المصرفي بعدما اعتبرت أن الهندسات المالية التي حصلت سابقاً بين عدد من المصارف وحاكم المصرف لا تخلو من تبييض الأموال، مشدداً على أن قانون الاثراء غير المشروع، قانون مكافحة تبييض الأموال، وقانون العقوبات تسقط السريّة المصرفية عن الحسابات المشتبه بها. وعليه، يجب اللجوء إلى تطبيق القوانين سعياً إلى اظهار الحقيقة واستعادة الأموال التي هي حقّ للبنانيين.

وفي هذا الاطار، أشارت مصادر “لبنان الكبير”، إلى أن إضراب المصارف بحجة أنه لم يعد بإمكانها ممارسة نشاطها خارج الحدّ الأدنى من أصول التعامل المصرفي وفي ظل خطوات ممنهجة وغير بريئة لتدمير القطاع، قرار يحتمل الخطأ والصواب خصوصاً وأن الصراع المصرفي القضائي لا يزال قائماً ويتخذ منحىً تصاعدياً مع مرور الوقت. ومع إصرار المودعين على الحصول على ودائعهم، تتخّوف المصارف من تكرار الأحكام القضائية التي تُجبرها على دفع الودائع بالدولار نقداً بعد رفض اعتماد الشيك المصرفي. وبحسب المصادر، فإن هواجس القطاع المصرفي مبررة إلى حد معقول لناحية الأهداف الملغومة وراء دعاوى بعض المودعين المدعومين والذين تحركهم جهات نافذة أو جهات سياسية تعمد إلى تصفية حساباتها مع المصارف، مشيرة إلى أن العلاقة بين المودعين والمصارف من جهة وبين المصارف والقضاء من جهة أخرى لم تعد تحتمل أي توترات لأنها تنعكس سلباً على المودعين والقطاع المصرفي على حد سواء. وختمت المصادر بالتأكيد على أن حق المودع بالحصول على وديعته وحق القطاع المصرفي بالاستمرار لا بدّ من صونهما، إذ لا يمكن تحميل أي منهما المسؤولية التامة عما آلت إليه أوضاعهما، مسلطة الضوء على دور الدولة المغيب تماماً في معالجة هذه المعضلة والتي كانت هي السبب الرئيس في انعدام الثقة بين الطرفين.

شارك المقال