هل تُفلس المصارف بعد استهدافها الممنهج؟

فدى مكداشي
فدى مكداشي

يبدو أن جمعية المصارف بدأت منذ فترة تشعر أن هناك توجهاً لتحميلها مسؤولية الانهيار المالي الذي ضرب لبنان، بعد أن تبين لها أن السلطة تحاول جاهدة من خلال كل الخطط التي طرحتها إخراج نفسها من دائرة المسؤولية تحت حجج متعددة، وأهمها أن الدولة لا إمكانات مالية لديها إضافة إلى أن صندوق النقد الدولي يمنع أو يرفض أن تستعمل الدولة أياً من أصولها أو موجوداتها في عملية تغطية الخسائر المحققة.

في الاطار نفسه، أتت القرارات القضائية التي تستهدف المصارف بصورة عدائية وكبيرة كدليل على أن السلطة باتت تستهدف المصارف وأصحابها. ففي الوقت الذي كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يعمل على تسوية مع المصارف كي لا تنفذ تهديدها بالاضراب الشامل، أتت قرارات القاضية غادة عون بالأمس بحق “بنك عودة” كرسالة تفيد بأن الاجراءات القضائية مستمرة وربما للتخريب على التسوية التي كان يسعى إليها رئيس الحكومة. في ظل هذا الواقع أعلنت جمعية المصارف عن استمرارها في الاضراب من دون أن يطال ماكينات الصراف الآلي، بحيث تستمر المصارف في تقديم بعض خدماتها من تحويلات وقبض الرواتب وطبعاً منصة “صيرفة”، وهذا مؤشر على أن الجمعية لم تقفل الباب بالكامل أمام التسوية أو الحلول.

ونتيجة لهذا الواقع، خرجت عمليات اقتحام المودعين لفروع مصارف في لبنان عن السيطرة وانتقلت العدوى من منطقة إلى أخرى، إذ اقتحمت اليوم مصارف عدة وأحرقت في منطقة بدارو.

واقع المصارف

وعن أسباب الاضراب الجزئي والشامل، يشير الخبير المصرفي والقانوني خالد شاهين في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى “أننا نتفهم مطالب المودعين وملاحقتهم للمصارف لأنها في الواجهة، كما ونتفهم تصرّفاتهم بشأن رفع الدعاوى. هذا الأمر استفز المصارف خصوصاً بعد الدعوى على مصرف فرنسبنك بوجوب تسديد الوديعة بالدولار النقدي، علماً أن المبلغ لم يكن كبيراً إلا أن سابقة إلزام المصارف بالدفع نقداً بالدولار ستجبرها على إعلان إفلاسها خصوصاً أن أموال المودعين تزيد عن ٩٠ مليار دولار”، معتبراً أن “على الدولة أن تتحمل هذه المسؤولية وليس المصارف التي تكون دائماً في الواجهة، فكل المعنيين استفادوا من السرقات والفساد وقاموا بمشاريع وتحويلات غير أخلاقية نفذتها المصارف لأسباب متعددة الأمر الذي سيُلزمها بإعلان إفلاسها”.

“الكابيتال كونترول”

أما السبب الآخر لاعلان الاضراب، فيتعلق بحسب شاهين بقانون “الكابيتال كونترول” الذي يصفه بـ “المجحف بحق الناس والمصارف”. ويرى أن “الكابيتال كونترول الذي وُضع لا يزال شبيهاً بتعاميم المصرف المركزي (تعميم ١٥٨) غير أنه مقونن ويلزم المصارف بدفع كل الأموال الموجودة، فبدلاً من أن تدفع بين الـ١٠-٥٠ ألف دولار للمواطن مقسّمة على ٨٠٠ دولار في الشهر، أصبحت المصارف ملزمة بأن تدفع كل الودائع من دون سقف وبموجب قانون، وبالتالي هذا يؤدي الى عملية تشبه عملية التفريغ، ولا شك في أن الودائع أكبر بكثير من أن تنتهي في سنة أو سنتين علماً أن القانون مدته سنة ولكن لا نعلم ما إذا سيتم التمديد له”، لافتاً إلى أن “هذا القانون من شأنه أن يسفر عن مزيد من التضخم مما يؤدي إلى غلاء معيشي وعودة سلسلة المشكلات للمطالبة بالأموال بالدولار”.

ويضيف: “كان أولى بوزارة الاقتصاد والجهات المعنية الانتباه إلى عمليات الاستيراد المبالغة التي تحصل ومراقبة أين يتم استهلاكها، والتي لا يتم استيرادها بالكامل وهي عرضة أيضاً للتهريب. وبالتالي، كان على الدولة أن تقوم بقانون متكامل المعالم لأن الأزمة لا تقتصر على الودائع وحسب، فهي في الأصل موجودة في مالية المصرف والأخير ملتزم بها كدين”.

تحذيرات نائب رئيس الحكومة

أما بالنسبة الى أموال المودعين في تعليق على كلام نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، فيؤكد شاهين أن “المصارف كانت منتشية بالفوائد صحيح، ولكن اقتصادياً كان ذلك شراً لا بد منه كخطة مؤقتة لاستيعاب التّضخم الى حين تستطيع الدولة وضع حلول ولكنها لم تبادر الى أي خطوة جدية لوضع حد للكارثة”، موضحاً أن “الدولة كان عليها عندما ارتفعت الفوائد عدم الاعلان عن تعثرها في السداد، وكان يجب إيجاد حلول اقتصادية تسيطر على الاستيراد والتهريب الى الخارج، ولكن لا يمكن أن نقول إن المصارف لم تهتم بالمخاطر المالية وكانت راضية عن ارتفاع الفوائد في الوقت الذي كانت الدولة متقاعسة عن دورها ولم تتحرك بصورة واقعية ومنطقية”.

الحلول البديلة

وعن الحلول البديلة، يقول شاهين: “واحدة من الأمور هي أن تحوّل العملة من ورقية الى الكترونية ويُصبح لدى المواطن كابيتال كونترول من ناحية تحديد قيمة السحب المسموح للنقد من المصارف، وفي المقابل يلزمون الناس باعتماد المال الالكتروني للتداول في السوق للتخفيف من التضخم بالتوازي مع حل اقتصادي ورقابة متكاملة. هذا الحل الحقيقي وليس الحلول الجزئية التي تأتي متأخرة”.

ويشدد شاهين على أن “القطاع المالي مجتمعاً لا يستطيع حل أزمة البلد لأن السلطة بيد الدولة. قدرة القطاع المصرفي تقتصر على ضبط المال داخلياً وحسب، ولكن عندما يخرج منها يفقد السيطرة. كل القرارات التي اتخذها مصرف لبنان كانت خاطئة لأن لا وجود لدولة تكمّله”.

شارك المقال