عبيلي بـ 200 ألف ليرة… شرٌ لا بدّ منه

هدى علاء الدين

أصبح رفع الدعم عن البنزين شراً واقعاً لا بدّ منه، فالخطوات على قدم وساق من أجل السير به خلال الأسابيع القليلة القادمة، فكان اقتراح حاكم مصرف لبنان تخفيض الدعم على البنزين إلى 3900 ليرة لأشهر معدودة خير دليل على إنهاء سياسة الدعم التي تُثقل كاهل المركزي بحوالي مليار دولار سنوياً. وبالرغم من أن أزمة البنزين التي يغرق بها لبنان ليست بجديدة في ظل سياسة التهريب عبر الحدود المتبعة منذ سنوات، إلا أن الأزمة المالية التي استنزفت احتياطي العملة الأجنبية، أظهرت بوضوح حجم الخسارة الفادحة التي لم تعد تخدم سوى المهربين والمهرّب إليهم.

نعم، شارفت سياسة الدعم على البنزين على الانتهاء، ومن المتوقع أن يشهد لبنان نهاية الشهر الجاري حقبةً جديدةً من الأسعار النارية، ولعلّ تصريح وزير الطاقة اللبناني ريمون غجر بأن من لا يستطيع دفع سعر الصفيحة بسعر 200 ألف ليرة عليه أن يتوقف عن استعمال السيارة واستعمال وسيلة أخرى، كافيةٌ لشرح المعاناة التي ستُصيب المواطن في تنقلاته اليومية ما لم يتم العمل على خطة مدروسة بالتوازي مع رفع الدعم تبدأ بتوزيع البطاقات التموينية لمستحقيها، لا سيما وأن لبنان يعاني من مشكلة عدم توافر نقل عام مريح يمكن أن يكون بديلاً عن النقل الخاص، وفي حال استخدام سيارات الأجرة فإن تعرفتها ستكون مؤلمة لأصحاب المداخيل الصغيرة.

صحيح أن هذا القرار قد يتزامن مع بدء مصرف لبنان تنفيذ التعميم رقم 158 الذي ينص على حصول المستفيد منه على 400 دولار Fresh و400 دولار على سعر المنصة SAYRAFA (12000 ليرة) وبالتالي سيكون فرصةً لرفع الدعم نهائياً مع توافر الدولارات مع المواطنين الذين سيُصبح باستطاعتهم تحمل السعر الجديد لصفيحة البنزين، لكن ذلك لن ينطوي على كافة شرائح المجتمع اللبناني الذي يرزح أكثر من نصفه تحت خط الفقر.

فعلياً، لن يُخفّض سعر صفيحة البنزين الجديد كمية البنزين المستورد، فزيادة بضعة آلاف عليها لن يوقف التهريب إلى سوريا ولن يلجم جشع التجار في بيعه بسعر يحقق لهم أرباحاً على حساب جيوب اللبنانيين. ويبقى الحلّ من أجل إيقاف التهريب في رفع الدعم نهائياً لأن ذلك سيحدّ بشكل مباشر من كمية البنزين المهرّب وسيوازي سعر الصفيحة في لبنان مع سعرها في سوريا، إلا أن هذه الخطوة في ظل انعدام الحلول البديلة ستجعل من المواطن اللبناني الخاسر الأكبر من جديد. فارتفاع سعر البنزين لن يقتصر على قطاع المواصلات وحسب، إنما سيطال أسعار السلع الاستهلاكية والمواد الأساسية لناحية تكلفة النقل التي سينتج عنها، ولن يكون هناك أي ضوابط تردع أو تحدّ من وتيرة الارتفاع الجنوني الذي ستصيب الأسعار بفعل غياب الرقابة وربطها مباشرة بارتفاع سعر البنزين، ليدفع بذلك المواطن ثمن السلعة وثمن ارتفاع الدولار وثمن ارتفاع البنزين أضعافاً مضاعفة.

منذ نهاية العام 2020، وحكومة لبنان عاجزةٌ عن اتخاذ أي قرار يخفف من عبء الأزمات التي تعصف به، والحلول بـ”القطعة” لم تعد تجدي نفعاً. أكثر من 6 أشهر مرّت على إعلان حاكم لبنان جهارة بأن المصرف لن يستمر في دعم المحروقات لتبدأ بعدها لعبة الكرّ والفرّ بين المستوردين والمركزي، واليوم بدأت نيرانها تأكل التوظيفات الإلزامية التي بحوزته.

هي أزمةٌ مفتعلة صنعها محتكروها ومهربوها فأحرقت شعباً بكامله، غداً سعر الصفيحة 70 ألفاً وبعد غدٍ ستقفز إلى 200 ألف والحد الأدنى للأجور لا يزال على حاله والتهريب على عينك يا تاجر.. فهل سيدفع المواطن معاشه من أجل 3 أو 4 صفائح بنزين شهرياً؟ سؤال برسم من يسرق أموال المودعين عنوةً لتهريب البنزين المدعوم ومن لم يتخّذ حتى الآن قراراً حاسماً بترشيد الدعم.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً