“صيرفة” يومياً… هل تلجم الدولار وتُحاسب الصراف؟

هدى علاء الدين

أسبوع مرّ على تنفيذ بيع الدولار للمسجلين على منصة صيرفة بشكل يومي بعد أن كان يتم بشكل أسبوعي، وذلك بناءً على بيان مصرف لبنان الصادر في 17حزيران، بعدما تبين له عقب الاطلاع على المعلومات المسجّلة من قبل الصرافين على المنصة أن الأرقام لا تتطابق مع الواقع كما نص تعميم مصرف لبنان رقم 5 لمؤسسات الصرافة الذي يجبر الصرافين على تسجيل كل عمليات البيع والشراء على المنصة، لا سيما وأن المبالغ المسجلة لا تتناسب مع حجم مؤسسات الصيرفة وتعتبر ضئيلة، ولا تكفي لتسديد مصاريف شركات الصرافة، الأمر الذي طرح علامات استفهام تستوجب إجراء التحقيقات اللازمة، وعليه سيتم تحويل الصرافين على الهيئة المصرفية العليا بدءاً بمؤسسات الصرافة فئة أ. وبالرغم من استمرار الارتفاع في سعر الدولار، إلا أن المركزي أبقى على 12000 ليرة للدولار الواحد كسعر التدخل (أي بيعه أو شراؤه الدولار على أساسها ومن ثم تسديدها لدى المصارف المراسلة في حسابات المصارف كما في حسابات الصرافين إذا وجدت).

هل ستتمكن منصة صيرفة من تحقيق هدفها خفض الدولار إلى ما دون الـ 10 آلاف ليرة؟ وما هي الصعوبات التي تواجهها؟ هل يدعم صندوق النقد هذه المنصة، وهل إنشاؤها كان بطلب منه؟ هل يعمد الصرافون إلى ضرب عمل صيرفة لضمان استمرار عملهم في السوق السوداء وكيف سيحاسبهم المصرف المركزي؟ ما هي القيمة الفعلية للدولار اليوم؟ وهل يعكس السوق السوداء سعره الحقيقي؟

أسئلةٌ حملها موقع “لبنان الكبير وطرحها على خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي، الذي رأى أن أهم صعوبة تواجه منصة صيرفة تتعلق بالمصارف وبالتعميم رقم 157 الذي نصّ عن إلزامية الانتساب إلى المنصة وليس عن إلزامية التداول عبرها، وبالتالي يوجد الكثير من المصارف التي لا تشتري أو تبيع الدولار من خلالها. كما أن هناك مصارف أوقفت تمويل فاتورة الاستيراد منذ فترة طويلة، ولا تتعامل في الوقت الحالي مع أي من المستوردين الذين يحتاجون إلى الدولار لإتمام عملياتهم. هذا إضافة إلى المزاجية والاستنسابية التي تطال عمليات التداول على المنصة، فهناك مصارف لا تُلبي احتياجات الأفراد وتكتفي بالتعامل فقط مع أشخاص معينين هم فعلياً بمثابة مضاربين بالسوق يشترون الدولار عبر المنصة بـ 12000 ليرة ويبيعونه على سعر الصرف في السوق السوداء، وبالتالي يضطر هؤلاء للجوء الى السوق السوداء لتأمين ما يحتاجونه من العملة الصعبة.

وعما إذا كان صندوق النقد الدولي يدعم منصة ويقف وراء إنشائها، استبعد فحيلي صحة هذا السيناريو، لا سيما وأن الصندوق يرفض التعاطي مباشرة مع الدول إلا من خلال السلطة التنفيذية والمصرف المركزي أو بحضورهما، فهو لا يتعاطى مع الأزمات بالقطعة إنما يقترح حلولاً تُشكل خارطة طريق لمعالجتها من جذورها.

حتى اليوم، لم تستطع منصة صيرفة تحقيق هدفها خفض الدولار إلى ما دون الـ 10 آلاف ليرة، ولم ينعكس إنشاؤها إيجاباً على سعر الصرف، بل أتاحت للصرافين مساحة للمضاربة المربحة، فمن يملك السيولة الكافية يعمد إلى شراء الدولار على الـ 12000 وبيعه في السوق السوداء على سعر أعلى، فقط الذين يرون في المنصة استفادة لهم وتحقق مكاسب مالية هم من يلجؤون اليها.

ويرى فحيلي أن “المنصة اليوم أصبحت بـ 12200 ليرة، لن أقرأ بالنوايا إنما بالنتائج، فلو كان الهدف منها تخفيض سعر الدولار لانخفض إلى 12000 أو 10000 منذ إنشائها” مفسراً ارتفاع الدولار بالاجتهاد، بلجوء المصارف إلى شراء الدولار من السوق من أجل الالتزام بتنفيذ التعميم رقم 158، ما يعني ضمنياً وجود بعض المصارف التي لم تمتثل للتعميم رقم 154 الذي دعا فيه المصارف إلى تأمين 3 في المئة سيولة لدى المصارف المراسلة بهدف تعزيز السيولة والملاءة لإعادة تفعيل عمله.

أما عن محاسبة الصرافين، فيقول فحيلي إنها مهمّة ولكن العبرة في التنفيذ، إذ يمكن لمصرف لبنان أن يُجمّد للصراف المخالف حق ممارسته لمهنة الصيرفة وختم مؤسسات الصرافة بالشمع الأحمر. وهنا يسأل فحيلي، ماذا فعل مصرف لبنان للمصارف المخالفة، ولماذا لم ينشر أسماء تلك التي التزمت بالتعميم رقم 154، معرباً عن قلقه من غياب الشفافية في تعاطي مصرف لبنان مع المصارف والتي خلقت جواً من الضبابية المفتعلة والمقصودة، فحتى الآن لم يُعرف السبب الحقيقي وراء إنشاء منصة صيرفة ولماذا تم نقل عملية بيع وشراء الدولار من الصرافين إلى المصارف.

وعن قيمة الدولار اليوم في السوق السوداء، يرى أنه انعكاسٌ لانعدام ثقة المواطن اللبناني بالحكومة والمصرف المركزي وليس لقيمته الحقيقية، لا سيما وأن استباحة الأوضاع الاقتصادية في لبنان باتت أمراً سهل المنال ويتم التلاعب بها من خلال التركيز على عامل الخوف لإفساح المجال أمام المضاربين بالتحكم وتحقيق أكبر قدر من المكاسب، مشيراً إلى أن الذين لا يحصلون على الدولار من أي مصدر هم من يدفعون فقط ثمن ارتفاعه في السوق الموازية.

وختم فحيلي بالقول، إن قرارات مصرف لبنان ليست قرارات استراتيجية إنما قرارات إجرائية كان يجب أن تنبثق عن لجنة الرقابة على المصارف، معتبراً أن كل تعميم صادر عنه يفتح مجالاً للمضاربة، ويضم العديد من القوانين التي ليس لها صلة مباشرة بمضمونه، مشيراً في المقابل إلى أن أي خطوة بالاتجاه الصحيح هي خطوة مهمة وضرورية، لكن الضبابية المفتعلة من خلال هذه التعاميم المتلاحقة باتت تشكل حالة من الخوف التي تأخذ لبنان من حالة الشمول المالي إلى الاستبعاد المالي، ومؤكداً أن ترميم الثقة بالقطاع المصرفي تبقى اليوم الخطوة الأهم والأكثر إلحاحاً من أجل عودة الحياة للقطاع المصرفي من خلال إعادة الثقة أولاً بالليرة اللبنانية واستنهاضها من حالة الانهيار التي أصابتها.

شارك المقال
ترك تعليق

اترك تعليقاً