القطاع المصرفي يُنازع والأزمة قد تطول

هدى علاء الدين

أسهم عدم الاستقرار السياسي وارتفاع مستويات الديون والفساد وزيادة الانفاق العام وتباطؤ النمو الاقتصادي وانخفاض الاستثمارات ونقص العملات الأجنبية في انخراط القطاع المصرفي اللبناني في أزمة خانقة ومدمرة، فالأزمة أصبحت معقدة وحلّها بات يتطلب مقاربة موضوعية بعيدة كل البعد عن النكايات السياسية وتصفية الحسابات. القطاع الذي لطالما كان أحد أقوى القطاعات في الشرق الأوسط بسبب أصوله وودائعه الكبيرة، دفع ثمن تراكم هذه العوامل تراجعاً في الثقة به، الأمر الذي أجبر العديد من العملاء على سحب ودائعهم ليخلق ذلك بيئة مليئة بالتحديات والصعوبات.

وعلى الرغم من مرور أربع سنوات على الأزمة، لا يزال القطاع المصرفي يفتقر إلى الاستقرار السياسي الذي يُشكل عاملاً رئيساً من عوامل نهوضه، فغياب حكومة متجانسة وشفافة وخاضعة للمساءلة وملتزمة بالاصلاحات المالية ومكافحة الفساد يُسهم في استمرار غياب الثقة التي تحتاجها المصارف والتي يتطلب بناؤها من جديد مساراً مختلفاً عما كانت عليه، مبنياً على الشفافية والمصارحة في كل ما يتعلق بوضعها المالي وكيفية التواصل مع العملاء والتوضيح لهم بصورة دورية حجم الديون والمشكلات التي تعاني منها والخطط التي تنوي تنفيذها لتحقيق الاستقرار المالي وتأمين السيولة اللازمة التي تحميها من مخاطر الأزمات.

اليوم، ومع اشتداد دائرة الخطر، يمكن القول إن القطاع المصرفي في لبنان يواجه خطراً كبيراً في ظل استمرار تضاؤل الثقة بالاقتصاد والسياسة النقدية وتراجع سعر صرف الليرة بصورة حادة والنقص الهائل في السيولة والاحتياطي الالزامي. في حين تُدرك الأطراف المعنية كافة بأزمة المصارف أن تنفيذ الاصلاحات المالية، التي تُساعد على تدفق العملات الأجنبية من جديد وتعزيز السيولة النقدية (مثل خفض الانفاق وزيادة الايرادات وخفض العجز المالي وتحسين قدرة الحكومة على خدمة ديونها) هي الحجر الأساس لأي رؤية مستقبلية للقطاع المصرفي، على أن تتزامن أيضاً مع البدء بعملية إعادة هيكلة من أجل تمويل الميزانيات العمومية للمصارف، وإدارة مخاطر الائتمان بصورة أفضل وتنويع محافظها المالية، فضلاً عن إعادة تقويم إدارة المخاطر وتحديدها والتخفيف من انعكاساتها.

اليوم، لا يمكن تحميل أي جهة فردية المسؤولية الكاملة عن أزمة المصارف في لبنان، فالمسؤولية تقع على عاتق الجميع بالتساوي لجهة ما آلت إليه الأمور. أما الحلول، فيجب أن تكون شاملةً ومستدامةً على مستوى الهيكلة والنظام والاستراتيجية، كي تُمهد الطريق لاعادة السيطرة من جديد على التضخم وإعادة الاستقرار الى العملة الوطنية. فتأثير الأزمة المالية على القطاع المصرفي لا يزال مبهماً لا سيما على المدى الطويل، إذ من المرجح أن يستغرق الأمر مزيداً من الوقت كي يتعافى القطاع وينهض من جديد، لكن ذلك سيبقى رهناً بعدة إجراءات أبرزها إعادة تشكيل رأس المال وإعادة الهيكلة المالية للمصارف وإجراء الاصلاحات اللازمة، التي يجب أن تعمل جميعها على إعادة بناء الثقة بالقطاع المصرفي ما يُعتبر خطوة حاسمة نحو الانتعاش الاقتصادي المستدام في لبنان.

شارك المقال