الأزمة الاقتصادية تنتظر هوية الرئيس الجديد

هدى علاء الدين

تستمر الأزمة الرئاسية وما ينتج عنها من فراغ جمهوري في تعميق الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان منذ فترة طويلة، وذلك بسبب عدم الاتفاق والانقسامات والنزاعات السياسية التي كانت عاملاً رئيساً في انهيار الاقتصاد الوطني وتراجع الثقة وتدهور الأوضاع المالية والنقدية. حالة الفراغ التي تُهيمن على الساحة السياسية منذ أشهر أدخلت مساعي الإنقاذ والإصلاح في غيبوبة ريثما تنجح المساعي الخارجية في تحديد هوية الرئيس الجديد الذي يعوّل على قدرته على المساهمة في التغلب على أزمات البلاد اللامتناهية.

وفي حين يسعى كل طرف إلى ايصال رئيس ينتمي إلى محوره من أجل حماية نفوذه ومصالحه السياسية الخاصة، يُعدّ الاتفاق على مرشح وطني يتمتع بدعم واسع النطاق تحدياً كبيراً على الرغم من أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يُشكل نقطة تحول إيجابية في مساعي تحسين الأوضاع الاقتصادية وتخفيف الأزمة الحالية وإعادة النمو، لا سيما أن عنصر الاستقرار الرئاسي يحفز الثقة بالاقتصاد ويجذب الاستثمار داخلياً وخارجياً ويساعد على تنفيذ القرارات الضرورية لمكافحة الأزمة المالية وإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية.

فاليوم، يحتاج لبنان رئيساً قوياً لديه القدرة على إيجاد حلول على المستوى الدولي وعلى تحسين العلاقات مع الدول والمؤسسات الدولية التي تُمكّنه من جلب المزيد من التمويل والمساعدات والدعم المالي الضروري للمساعدة على حل الأزمة الاقتصادية. يحتاج إلى وجود رئيس مسؤول صاحب رؤية مستقبلية تتناسب وحاجات الوطن والشعب وتعمل على تقليل الفجوة الاجتماعية بين اللبنانيين. ويحتاج إلى وجود رئيس مؤثّر يستطيع من خلال شبكة علاقاته أن يُعيد تفعيل دور لبنان الاقتصادي والسياسي في المنطقة والعالم وأن يقوم بتشكيل حكومة قوية تُطبّق البرامج الاصلاحيّة التي تنهض بمؤسسات الدولة. اليوم، يحتاج لبنان إلى رئيس مؤهّل لقيادة البلاد خلال هذه الفترة الحرجة، فالتوصّل إلى حلول واعدة وشفافة للأزمات التي يعانيها سيكون حتماً أمراً جيداً للاقتصاد اللبناني ولمستقبل البلاد وتوفير بيئة من الثقة والأمان في الداخل والخارج.

إذاً، يزداد التأثير السلبي للفراغ الرئاسي على الأزمة الاقتصادية مع وجود تحديات عديدة تواجه لبنان في المرحلة الراهنة، بما في ذلك الأزمة المالية والاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة وزيادة مستوى الفساد في ظل غياب المراقبة والمساءلة والمحاسبة. فقد أدّت سياسة التأجيل المستمر لانتخاب رئيس جديد إلى المزيد من عدم الاستقرار السياسي وإلى غياب تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية الضرورية من أجل النهوض.

وعلى الرغم من أن انتخاب رئيس للجمهورية سُيسهم بصورة مباشرة في بداية الانقاذ الاقتصادي، إلاّ أن هذه الخطوة وحدها لن تكون كافيةً لحل الأزمة الاقتصادية الحالية، إنما ستُشكّل مرحلة أساسية في هذا الاتجاه وجزءاً مهماً من العملية الشاملة لانقاذ الاقتصاد على أن يتبعه تحقيق إصلاحات جوهرية على المستوى الحكومي والاقتصادي والاجتماعي. فالإنقاذ الشامل يتطلب توحيد الجهود الداخلية وتفعيل الدور الدولي لمساعدة لبنان خصوصاً وأن القضايا التي يواجهها يتعدى إطاراها الحلول المحلية، على أن يتزامن ذلك مع خطة وطنية شاملة لإنقاذ الاقتصاد ومعالجة التحديات القائمة، من ضمنها تنفيذ إصلاحات هيكلية اقتصادية ومالية وإدارية وتعاون بين القطاعين العام والخاص تهدف جميعها إلى استعادة النمو الاقتصادي بالدرجة الأولى ومن ثم بناء اقتصاد مستقر ومزدهر في المستقبل.

شارك المقال