الدولار وسلامة… وحدة مسار ومصير

سوليكا علاء الدين

مع اقتراب نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تُسيطر على اللبنانيين حالة من الترقب المالي والنقدي والمصرفي بانتظار المسار الذي سوف يسلكه سعر صرف الدولار مقابل الليرة، الذي لا يزال مُحافظاً على استقرار مُصطنع ومُؤقت منذ تدخّل “المركزي” في الأوّل من آذار الماضي كبائع للدولار الأميركي وشارٍ لليرة اللبنانية على سعر 70 ألف ليرة للدولار. وجاء هذا الاجراء على وقع انهيار العملة الوطنية إلى مستوى قياسي غير مسبوق بلغ حدّ الـ 100 ألف ليرة لكل دولار أميركي.

هذا الاستقرار أشار إليه بنك “عوده” في تقريره الأسبوعي، ولفت فيه إلى أنّه مع استمرار التدخل الكثيف لمصرف لبنان عبر منصّة “صيرفة” والذي امتد لأكثر من شهرين، بينما البلاد غارقة في وضع سياسي مأزوم بانتظار تسوية شاملة ينتج عنها انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة وذات مصداقية، ومع غياب الأجندة الاصلاحية لوضع البلاد على سكّة التعافي، شهدت الأسواق المالية اللبنانية مراوحةً في سعر صرف الدولار في السوق الموازية، في حين سلكت سوق الأسهم مسلكاً تراجعياً، وظلت أسعار سندات اليوروبوندز عند مستوياتها الدنيا.

أما في ما يتعلق بسعر العملات عالميّاً، فمن المتعارف عليه أنه يرتبط مباشرة بكميّة العرض والطلب عليها في الأسواق، فضلاً عن الكثير من المؤشرات الاقتصادية والممارسات المالية بحيث تُحدّد قيمة العملة وفق أداء الاقتصاد الحقيقي للدولة وحجم احتياطاتها النقدية، وكذلك قدرة قطاعاتها الانتاجية والتصديرية. كما لا يُخفى على أحد، وجود عوامل سياسية قادرة على التحكّم بالعملة كما هو الحال في لبنان. وما التلاعب بسعر صرف الدولار، بحسب التقرير الصادر عن “عودة”، إلاّ دليلاً واضحاً على الإنهيار الاقتصادي وتباطؤ النمو في ظل انعدام السياسات النقدية الصحيحة وضعف فاعليتها وغياب الإجراءات الاصلاحية والبنيوية للاقتصاد، ناهيك عن الأوضاع السياسية المُتأزمة التي تزداد تعثراً وتعقيداً يوماً بعد يوم.

حتى اليوم، وعلى الرغم من إصدار مذكّرة اعتقال دولية بحق الحاكم، نجح “المركزي” في الحفاظ على دوره لجهة الامساك بتفلّت السوق وضبط إيقاع سعر الصرف عند عتبة الـ95000 ليرة. غير أنّ سياسة التدخّل هذه أصبحت باهظة الثمن ومكلفة جداً في ظل حالة عدم اليقين والاستقرار السياسي والمُراوحة القاتلة التي تشهدها البلاد وتؤدي إلى خسارة المزيد من احتياط النقد الأجنبي المُتبقي لدى مصرف لبنان والذي يرزح تحت حاجز الـ10 مليارات دولار، لا سيّما مع إقرار زيادة الرواتب والأجور. ففي ظل عجز الخزينة وعدم قدرتها على تأمين التمويل اللازم، من المُتوقّع أن تلجأ الدولة إلى الاقتراض من المصرف المركزي من أجل دفع هذه الزيادات، ما يعني الاستمرار في طباعة الليرة اللبنانية وزيادة الضغط عليها.

ومع عدم تأثّر سعر الصرف المُستغرب بالبلبلة الناجمة عن قرار التوقيف الصادر في حق سلامة، يتساءل الكثيرون عن مصير الدولار وعن المسار الذي سوف يتّخذه خلال الأشهر المُقبلة لا سيّما وأنّ لبنان قادم على صيف مُلتهب ومليء بالاستحقاقات المصيرية، أبرزها استحقاق الخروج من الفراغ الرئاسي وتجنّب الوقوع في شغورالحاكميّة. فإنجاز هذه الاستحقاقات أو الفشل في تحقيق أي منها من شأنه أن يُعيد رسم خريطة طريق الدولار، التي لا تزال صورتها غير واضحة المعالم بانتظار ما قد يحدث من انفراجات أو انتكاسات.

شارك المقال