نمو الأسواق الموازية… خطر يُهدّد الدول

هدى علاء الدين

تُشكل ظاهرة السوق الموازية في العديد من الدول عبئاً ثقيلاً على كاهلها وتحدياً كبيراً لسياساتها النقدية في الوقت الذي أدى فيه تدهور الأوضاع الاقتصادية على مدى السنوات القليلة الماضية والضغوط المتزايدة جراء انخفاض قيمة العملات التي تواجهها الدول النامية إلى ارتفاع عدد الدول التي تتضمن أسواق عملات موازية. وبحسب البنك الدولي، فقد شهدت الآونة الأخيرة وجود أسواق عملات موازية نشطة في حوالي 24 اقتصاداً تنتمي إلى اقتصادات الأسواق الصاعدة والدول النامية. وفي 14 اقتصاداً منها على الأقل، يشكل فرق سعر الصرف (الفرق بين السعر الرسمي والسعر الموازي) مشكلة حقيقية بحيث يتجاوز الـ 10 في المئة.

وقد شملت قائمة البلدان التي لديها أسواق متعددة للعملات حتى تاريخ آذار الماضي كلاً من لبنان (الذي تصدّر الدول العربية حيث وصل فرق سعر الصرف إلى 616.7 في المئة) واليمن وسوريا وإيران والأرجنتين وإثيوبيا وزيمبابوي ونيجيريا والجزائر وليبيا وموزمبيق وسريلانكا والسودان وفنزويلا وغيرها من الدول. وتعاني جميعها من جوانب اقتصادية باهظة التكلفة ومُشوِشة بدرجة كبيرة لجميع المشاركين في السوق، بحيث ترتبط بارتفاع معدلات التضخم وتعوق تنمية القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي وتُخفض معدلات النمو، في حين تعود أسعار الصرف الموازية بالنفع على الفئة التي يمكن لها الحصول على النقد الأجنبي بالسعر المدعوم الذي يدفعه الجميع. ولم يُخفِ البنك الدولي الارتباط القوي، بين وجود أسعار صرف موازية والفساد) إن لم يكن السبب).

ويُشير البنك الدولي إلى أن أسعار الصرف الموازية في الدول غالباً ما تنشأ نتيجة المشكلات في ميزان المدفوعات. وفي الوقت الذي دعت فيه سياسات صندوق النقد الدولي إلى معالجة تشوهات أسعار الصرف، إلا أن التقدم على هذا المسار كان محدوداً في العديد من الدول التي تعاني فوارق واسعة في سعر الصرف، ومنها الأرجنتين وإثيوبيا ونيجيريا. أما في بعض الدول، فقد بدأت السلطات بعملية توحيد الأسعار لكنها تُقدم خطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء.

محلياً، أدّى وجود سعر صرف موازٍ إلى تقليص مستوى الثقة بالاقتصاد الوطني وتدهور الأوضاع المالية وتفاقم الأزمة التي يعاني منها، بعد أن أسهم بصورة مباشرة في زيادة معدلات التضخم ونقص في السيولة الأجنبية وتدهور القيمة الشرائية للعملة الوطنية وارتفاع أسعار السلع والخدمات. كما أنه شرّع وجود سوق غير رسمية للصرف يتم فيها التداول بالدولار بأسعار أعلى من سعر الصرف الرسمي، فضلاً عن تأثيره السلبي على القطاع المصرفي وأموال المودعين التي تآكلت قيمتها.

حتى اليوم، فشل لبنان في توحيد سعر صرف الدولار، إذ لا يزال غارقاً في متاهات سعر الصرف في السوق الموازية متجاهلاً العديد من الاجراءات التي تُساعده على التخلص من مساوئ هذه السوق، أبرزها العمل على تقليل الفجوة الهائلة بين السعر الرسمي والسوق السوداء وتنظيم الأسواق المالية والعمل بجد من أجل تعزيز النمو الاقتصادي وتعزيز الاستثمار وتحفيز النشاط الاقتصادي التي تعيد الاستقرار والثقة بالعملة الوطنية.

شارك المقال