التعافي الاقتصادي أسير الشغور الرئاسي

سوليكا علاء الدين

للمرة الثانية عشرة على التوالي، جدّد مجلس النواب فشله في انتخاب رئيس جديد للجمهورية نتيجة تزايد حدّة الانقسامات والخلافات بين الأطراف السياسية التي أفضت إلى انقسام أصوات النواب ما بين المرشّحَيْن الأساسيين الوزيرين السابقين سليمان فرنجية وجهاد أزعور. سيناريو الفشل الذريع والمُتكرّر هذا دفع بمجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان، إلى إبداء أسفها لعدم انتخاب رئيس للجمهورية بعد 12 جلسة غير حاسمة للبرلمان، مُعبّرة بعد مرور 8 أشهر من دون رئيس ومن دون حكومة كاملة الصلاحيات، عن قلقها العميق، ومُحذّرة من أن يؤدي الجمود السياسي الحالي إلى “تفاقم تآكل مؤسسات الدولة” وتقويض قدرة لبنان على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والأمنية والانسانية المُلحّة التي يُجابهها.

المجموعة التي تضمّ كلاً من الأمم المتحدة والصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية أشارت في بيانها إلى أنّ أي استمرار للوضع الراهن، لن يؤدّي إلاّ إلى إطالة وتعقيد مسيرة تعافي لبنان، فضلاً عن تفاقم المصاعب التي يواجهها الشعب. وحضّت القيادات السياسية وأعضاء البرلمان على تحمّل مسؤولياتهم وإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية من خلال انتخاب رئيس جديد من دون مزيد من التأخير، وذلك من أجل مصلحة الشعب اللبناني وحرصاً على استقرار البلاد. كما دعت السلطات اللبنانية إلى المسارعة في اعتماد خطة إصلاحية شاملة وتنفيذها لوضع البلاد على مسار التعافي والتنمية المستدامة.

وفي موازاة ذلك، حذَّر الخبير الاقتصادي العالمي ستيف هانكي، من خطورة الموقف الاقتصادي في لبنان، مشيراً إلى وصول معدل التضخم إلى مستويات خطيرة، وانتشار الفقر في البلاد. وأضاف هانكي أنّ الشعب اللبناني ضاق ذرعاً بعدم كفاءة حكومة نجيب ميقاتي بعد أن بقي أكثر من 75 في المئة من الشعب اللبناني يعيش في فقر وارتفاع التضخم إلى 247 في المئة على أساس سنوي. كما لفت إلى مدى تدهور الأوضاع في البلاد إذ لا رئيس، لا كهرباء، لا غذاء، لا مأوى، عملة بلا قيمة، ومستوى قياسي للتضخم، داعياً إلى ضرورة تشكيل مجلس العملات النقدية على الفور – وهي سلطة نقدية يقوم بإنشائها البنك المركزي من أجل الحفاظ على سعر الصرف الثابت للعملة الأجنبية – وذلك بغية إنهاء معاناة لبنان الاقتصادية.

 مع تقلّص آمال اللبنانيين وانحسار تفاؤلهم بقدرة القوى السياسية على إنهاء حلقات هذا الشغور القاتل، تُفاقم المُعضلة الرئاسية في لبنان وحالة الفراغ الناجم عنها من شراسة أزمات البلاد الاقتصادية والاجتماعية وتزيد من تعقيداتها وانعكاساتها السلبية على المواطنين. وعلى الرغم من جميع المساعي الدولية والعربية لحلحلة جمود هذا الملف، لا تزال التشرذمات الداخلية تحول دون كسر العوائق وتجاوز المطبات من أجل إنجاز هذا الاستحقاق المصيري. فعلى مدى ثمانية أشهر، شكّل الفراغ الرئاسي لاعباً رئيساً في استكمال مسار الانهيار الدراماتيكي وفي اشتداد الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية سوءاً، بحيث تتصاعد المخاوف من إمكان معاودة سعر الصرف قفزاته الجنونية إلى مستويات كارثية لا تُحمد عقباها لا سيما مع اقتراب انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي والتأخر الحاصل في عدم تنفيذ لبنان وعوده والتزاماته تجاه صندوق النقد الدولي.

وبالتالي، فإنّ لبنان هو بأمسّ الحاجة اليوم إلى الاسراع في عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، كون إتمام هذه الخطوة هي مدخل الحل الوحيد لإعادة إطلاق عجلة النهوض الاصلاحي المُتوقّفة وتمهيد الطريق أمام وضع البلاد على سكّة التعافي والنمو من أجل ضمان عودة الاستقرار إلى الاقتصاد.

شارك المقال