الأزمة تستنزف الأسر والأطفال يدفعون الثمن

هدى علاء الدين

وضعت الأزمة الاقتصادية في لبنان الأسر اللبنانية في خانة الصعوبات والتحديات الكبيرة، فالخسائر الاقتصادية ومعدلات التضخم وغلاء الأسعار، جعلت العديد منها تعيش في ظروف قاسية. وفي ظل إستمرار تفاقم الأزمة في لبنان للعام الرابع على التوالي، تعمل الأسر جاهدة لتوفیر إحتیاجاتها الأساسیّة، مجبرة في كثیر من الأحیان على إرسال أطفالها الى العمل للمساعدة في تغطیة النفقات، حتى بات الكثيرون منهم يعيشون في ظروف إنسانية صعبة جراء الفقر المدقع ونقص الموارد والخدمات العامة، ما يؤثر على حياتهم المعيشية والصحية والنفسية. كما أنهم يتعرضون للفقر والحرمان الاجتماعي وعدم الحصول على التعليم الكافي الذي يمنع عنهم فرص العيش الكريم والنمو السليم.

وفي هذا الاطار، أجرت منظمة “اليونيسيف” تقویماً سریعاً حول مستوى عیش الأطفال في لبنان، حيث بدت المشهدية دراماتیكیة، خصوصاً لجهة الاجراءات الیائسة التي تتخذها الأسر للتعامل مع الأزمة الاجتماعیة والاقتصادیة. وبحسب التقرير الذي نشر نتائج التقويم وحمل عنوان “أزمة لبنان المتفاقمة تحطم آمال الأطفال”، فقد أقرت 9 من كل 10 أسر (أي ما يناهز نسبة 86 في المئة من الأسر المشمولة بالتقویم) بعدم حيازتها في الوقت الحالي ما یكفي من المال لشراء الضروریات، مقارنة بنسبة 76 في المئة قبل عام واحد فقط، في حين لجأ الآلاف من مقدمي الرعایة إلى تدابیر عدیدة یائسة للتعامل مع الوضع المزري.

وفي التفاصيل، تُضطر أسرتان من كل خمس (أي 38 في المئة) إلى بیع ممتلكاتها من أجل توفیر سبل البقاء على قید الحیاة، بالمقارنة مع أسرة واحدة فقط من كل خمس (28 في المئة) خلال العام الماضي. وحالیاً، تُضطر أكثر من أسرة واحدة من بین كل 10 أسر الى إرسال أطفالها للعمل كوسیلة للتأقلم مع الأزمات العدیدة، مقابل إرسال أكثر من أسرة واحدة من كل أربع من أسر النازحین السوریین (أي 28 في المئة) أطفالها للعمل كوسیلة للتأقلم.

من جهة أخرى، خفضت ثلاثة أرباع الأسر (أي 75 في المئة منها) إنفاقها على العلاج الصحي، مقارنة بنسبة 60 في المئة في حزیران 2022. كما أوقفت 15 في المئة من الأسر تعلیم أطفالها، مسجلة بذلك إرتفاعاً من 10 في المئة قبل عام واحد، وخفضت 52 في المئة من إنفاقها على التعلیم، مقارنة بـ 38 في المئة قبل عام. في المقابل، أكدت ثلاث أسر سوریة من كل 10 (أي 30 في المئة) أن واحداً على الأقل من أطفالها لا يذهب إلى المدرسة بسبب إرتفاع تكالیف النقل (23 في المئة)، وتكلفة المواد التعلیمیة (13 في المئة) أو بسبب عدم سماح المدرسة بانضمامها إليها (11 في المئة).

وأشار التقرير الى أنه على الرغم من كل تدابیر التأقلم الیائسة المعتمدة، تعجز أسر عديدة عن تحمل تكالیف ما تحتاج إليه من طعام من حیث الكمیة والنوعیة. وذكرت نحو ثلث الأسر (أي 30 في المئة) التي شملها التقویم، أن طفلاً واحداً على الأقل من أطفالها نام جائعاً مقارنة بنسبة 23 في المئة قبل عام. ولا تستطیع الكثیر من الأسر تحمل نفقات الحصول على العلاج الصحي، مثل تكلفة الرعایة أو الانتقال إلى المرافق الصحیة. ونتیجة لذلك، تلقى أكثر من نصف الأطفال بقلیل فقط (أي 56 في المئة) الرعایة الصحیة التي یحتاجون إليها.

وفي ظل البطالة المستشریة وإرتفاع الأسعار یكافح الأهالي من أجل توفیر الطعام لأفراد الأسرة، الأمر الذي يؤدي إلى ضغوط هائلة تنتج عنها مشاعر غضب تجتاحهم تجاه أطفالهم. وفي هذا الاطار، اعترف 53 في المئة من المستطلعين، بأنهم كانوا أقل تسامحاً تجاه سلوكیات أطفالهم، وعاملوهم بقسوة لم يعهدوها من قبل. نتیجة لذلك، شعر 6 من كل 10 من هؤلاء (59 في المئة) بالحاجة الماسة إلى الصراخ على أطفالهم، في حين شعر إثنان من كل عشرة (21 في المئة) بحنق شدید كاد یؤدي الى إستخدام الضرب. وأعرب 6 من كل 10 من مقدمي الرعایة (57 في المئة) عن عدم سعادتهم، لا بل توقع 27 في المئة تأزم الوضع وأن تسوء حياتهم أكثر مما هي عليه الیوم في غضون العام المقبل.

وفي الوقت الذي ارتفعت فيه حدة التوترات واشتد فيه عصف الأزمة الاقتصادیة، وفي غياب أي إشارة محتملة إلى حلول قریبة، تبين أن 7 أطفال من كل 10 من مقدمي الرعایة (أي 66 في المئة) بدوا قلقین ومتوترین ومضطربین، ونصف هؤلاء تقریباً (أي 47 في المئة) قالوا إن أطفالهم بدوا حزینین للغایة أو یشعرون بالاكتئاب بصورة متكررة، في حين أن أكثر من 6 من كل 10 من مقدمي الرعایة (62 في المئة) رأوا أن رفاهية أطفالهم ساءت خلال العام الماضي.

وخلص التقرير الى أن ما نتجت عنه الأزمة الهائلة في لبنان، یستدعي إتخاذ إجراءات سریعة وحاسمة من الحكومة اللبنانیة، وذلك من أجل حمایة الأطفال وضمان حصولهم على ما یحتاجون إليه من خدمات ودعم وحمایة حتى یتمكنوا من تطویر إمكاناتهم الكاملة، لا سيما وأن الفشل في ضمان حصول الأسر على المساعدة الاجتماعیة والرعایة الصحیة والتغذیة والحمایة والتعلیم يؤدي إلى آثار دراماتیكیة طویلة المدى، وفي حال خرجت عن مسارها فمن الصعب إعادة تصويبها، الأمر الذي یؤثر بشدة على حیاة الأطفال، ویؤدي الى مخاطر جمة تنذر بالاطاحة بالرأسمال البشري الذي تحقق خلال العقود الثلاثة الماضیة. ومع وجود 700000 طفل خارج المدرسة، یجب أن یكون التعلیم أحد المجالات ذات الأولویة لعمل الحكومة لضمان حصول الأطفال الأكثر ضعفاً على تعلیم شامل وعالي الجودة. وسیتطلب ذلك استثمارات متعددة السنوات یمكن رصدها من الحكومة، إلى جانب القیام بإصلاحات وتصمیم سیاسات وطنیة لتحسین كفاءة الانفاق على قطاع التعلیم وإنصافه وفاعليته، فضلاً عن إصلاح الثغرات في النظام الوطني للحمایة الإجتماعیة خصوصاً وأن هذه الحمایة لا تزال ضعیفة ومشتتة.

شارك المقال