اجتاز لبنان بصعوبة امتحان “القائمة الرمادية” الخاصة بمجموعة العمل الدولية FATF وذلك عقب أسابيع من الترقب الحذر، بعد أن كان مهدداً بصورة مباشرة بإدراجه على القائمة بسبب التأخر في تحسين نظامه المالي وتنفيذ القوانين الخاصة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وعدم اتخاذ الاجراءات اللازمة للتحقق من الهوية ومصدر الأموال التي تحوّل إلى لبنان، فضلاً عن انخفاض مستوى التزام المصارف وغيرها من المؤسسات المالية بتطبيق الإجراءات المناسبة والشفافة للحد من انتشار هذه الظاهرة. وبسبب هذه القضايا، طلبت المنظمة من لبنان بذل جهودٍ أكثر فاعلية لتحسين نظامه المالي وتقديم تعهدات ملموسة لاصلاح العيوب فيه والتزامه بمعايير مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
وعادة ما تستخدم القائمة الرمادية كوسيلة للضغط على الدول لاتباع أفضل الممارسات المتعلقة بالسياسة المالية ومكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وهي قائمة صادرة عن مجموعة العمل المالي FATF تضم دولاً تحتاج إلى مراجعة وتدقيق خاص ومكثف لأنظمتها الخاصة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وتضم القائمة الرمادية الدول التي لا تفي بالمعايير المطلوبة وبالتالي فهي تشير إلى أن هذه الدول تشكل خطراً محتملاً على النظام المالي الدولي وتحتاج إلى جهودٍ إضافية لتحسين أنظمتها وسياساتها المالية. وتقوّم الدول بناءً على عددٍ من المعايير، بما في ذلك موقفها القانوني في مجال مكافحة الجرائم المالية والثقة بأنظمة التحكم والاشراف المالي، وحجم العمليات المالية في هذه الدول، إلى جانب بعض العوامل الأخرى. ويجب على هذه الدول إجراء إصلاحات جوهرية في أنظمتها القانونية والمالية لتحسين مستوى الامتثال لمعايير مكافحة غسيل الأموال وتمويل الارهاب.
صحيح أن لبنان استطاع تجنب هذه الخضة، إلا أن ذلك لن يكون كافياً، فالمطلوب اليوم اتخاذ خطوات جريئة وتعزيز الجهود الرامية إلى مكافحة غسيل الأموال وتمويل الارهاب وتنفيذ إجراءات كافية لتفادي أي احتمال مستقبلي قد يضعه في القائمة الرمادية. ولعل أهم هذه الخطوات والاجراءات تتمثل في تحديث التشريعات المصرفية والمالية لتتوافق مع معايير FATF، لا سيما معايير الكشف والتحقق من هوية عملاء المصارف، تعزيز التعاون بين الجهات الرسمية وإدارات الجمارك والضرائب، تحسين الاجراءات المالية لضمان أمان المعاملات، زيادة الرقابة على الأشخاص والكيانات التي يشتبه بضلوعها في عمليات غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب، تقديم الدعم اللازم للقضاء على هذه العمليات، تنظيم القطاعات المالية للحد من التهرب الضريبي ومنع استخدامها كوسيلة لغسيل الأموال. كما يجب على الحكومة اللبنانية تحديد الاستراتيجية اللازمة والموارد المالية والبشرية الضرورية للتعاون مع FATF والالتزام بمعاييرها.
تَجَنُب لبنان القائمة الرمادية لـ FATF يعني أنه قام باتخاذ الاجراءات اللازمة لتحسين نظامه المالي والتزامه بمعايير مكافحة غسيل الأموال وتمويل الارهاب وفقاً لتوصيات المنظمة، لتشمل تعزيز إجراءات التحقق من الهوية وتعقب الأموال، إنشاء هيئات رقابية تتابع جميع العمليات المالية وتوثقها، وتحديد المخاطر المالية بصورة أكبر، بحيث تُسهم هذه الاجراءات في عودة تنامي الثقة بنظام لبنان المالي من أجل تمكينه من التعامل مع المنظمات المالية الدولية. لكن يبقى السؤال هل فعلاً نجح لبنان في القيام بذلك، أم أن ضغوطاً عدة قد مورست من أجل تجنيبه قراراً كهذا ريثما تنجح المساعي الرامية إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعيداً عن أي خضة تُعكر صفو هذه المساعي؟