“صيرفة” تترقّب حُكم الحاكمية

سوليكا علاء الدين

على الرغم من الأهمية الكبرى التي يوليها اللبنانيون للاستحقاق الرئاسي الشائك، الا أنّ الاستحقاقات المالية والنقدية لا تزال مستحوذةً على حيز واسع من اهتماماتهم اليومية، لا سيما مع اقتراب موعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. ملف الحاكمية هذا يُرافقه الكثير من التساؤلات والتكهّنات حول هوية الحاكم الجديد وأنواع الخطط والسياسسات النقدية التي سوف يعتمدها، بالاضافة إلى مصير منصّة “صيرفة” ودورها المُستقبلي خصوصاً بعد أن استطاع الحاكم من خلالها ضبط تفلّت الدولار الهستيري في السوق السوداء. فهل ستبقى “صيرفة” في الخدمة بعد خروج سلامة من خدمة الحاكمية؟

تختلف آراء الخبراء المصرفيين ما بين مؤيد لبقاء عمل “صيرفة” بعد سلامة مقابل إدخال بعض التغييرات على وسائل عملها وآلياته وذلك تجنباً لخطورة تبعات وقف العمل بها بصورة فورية من دون وجود أي خطة إصلاحية بديلة لإعادة اكتساب الثقة والنهوض مجدّداً بالقطاع المصرفي والمالي، وبين معارض لها نظراً إلى استنزافها المُستمر لما تبقى من احتياطي مصرف لبنان بالعملة الأجنبية والذي وصل إلى ما يقارب 9.3 مليارات دولار، ناهيك عن تكبيدها “المركزي” خسائر يومية لتغطية الفارق بين سعر دولار منصة “صيرفة” وسعر دولار السوق السوداء. وما بين الرأيين، ترجح الكفّة استمرار العمل بمنصة “صيرفة” حتى بعد انتهاء ولاية سلامة على اعتبار أنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحاكم الخلف. وفي حال عدم تعيين حاكم جديد، وتسليم الحاكمية للنائب الأول لمصرف لبنان، من المُتوقع أن لا تكون هناك أي تعديلات أساسية في السياسة النقدية الحالية، الأمر الذي يعني الإبقاء على المنصة مع امكان حدوث بعض التغييرات فيها. وتُشير بعض السيناريوهات إلى أنّه في حال الاتفاق بين الأطراف السياسية والنقدية المعنية على آلية محدّدة لعمل المنصة، يتوقع أن يعتمد سعر دولار منصة “صيرفة” في موازنة 2023 كسعر موحّد للدولار، بالاضافة إلى استخدامه في عملية تحصيل الضرائب والرسوم الجمركية والعديد من الرسوم الأخرى.

لا شك في أنّ تدخّل مصرف لبنان عبر منصة “صيرفة” ساهم منذ آذار الماضي في تخفيف الضغط على اللبنانيين من خلال إرساء استقرار نسبي لسعر الصرف بعد أن سجّل مستويات صادمة ببلوغه عتبة الـ150 ألف ليرة للدولار الواحد. فالاستقرار ولو كان مرحليّاً ومؤقتاً لعب أيضاً دوراً كبيراً في الحد من تدني القدرة الشرائية للأجور ومن ارتفاع الأسعار ومعدلات التضخم بصورة جنونية، فضلاً عن افادة موظفي القطاع العام من الفرق بين سعر المنصة وسعر الصرف في السوق السوداء عند سحب رواتبهم عبر “صيرفة”. حتى اليوم، نجحت المنصة في الإبقاء على لجم الدولار دون الـ94 ألف ليرة على الرغم من الفشل في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وعدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي أو المباشرة بتنفيذ أي من الاصلاحات المطلوبة، فالضخّ المتواصل للدولارات من مصرف لبنان سوف يُبقي الدولار على المدى القصير في حالة هدوء ظرفية طالما أنّ “المركزي” لا يزال المُهيمن الأول على سعر الصرف والمُتحكّم بزيادة الفرق بين سعر “صيرفة” وسعر السوق السوداء أو تقليصه.

بين من يجد أنّ “صيرفة” هي من ضمن الحلول العوجاء التي يستخدمها مصرف لبنان لضبط سعر صرف الليرة بطريقة مُصطنعة ومن يعتبرها وسيلة لمُهادنة الدولار والإمساك بالشارع بانتظار الحلول الجذرية، يبقى السؤال الأبرز ما هو مُستقبل المنصّة وهل بإمكانها التحوّل إلى المنصة الوحيدة والقانونية المُعتمدة في تحديد سعر الصرف الرسمي والحقيقي القابل للتداول في السوق أم أن دورها سيكون رهن قرار الحاكم الجديد؟

شارك المقال