دولارات الصيف…. حقن مؤقتة لتسكين الاقتصاد

سوليكا علاء الدين

إنقضت عطلة عيد الأضحى المبارك ولم يطرأ أي تغيّر أو تبدّل جوهري على الملفات اللبنانية العالقة التي لا تزال تدور في فلك التأجيل والتعطيل والمراوحة القاتلة. فالعطلة منحت البلاد إجازة من جميع الاستحقاقات على اختلاف أنواعها، تاركةً في المقابل بعض الأصداء الايجابية حول مدى تأثير الموسم السياحي على الاقتصاد اللبناني في ظل التوافد الهائل للمغتربين اللبنانيين وبعض السياح العرب والأجانب خلال فصل الصيف.

حركة سياحية لافتة يشهدها لبنان مع تزايد أعداد القادمين إليه والراغبين في تمضية فترة الأعياد والاجازات الصيفية بحيث تُشير الأرقام إلى هبوط ما يقارب الـ 100 طائرة يومياً في مطار رفيق الحريري الدولي، ودخول حوالي 15 ألف شخص في اليوم الواحد. ومن المتوقّع أن يبلغ عدد الوافدين إلى لبنان في العام 2023 نحو مليون ونصف المليون سائح ومغترب وأن تُقارب عائدات السياحة حوالي الـ5 مليارات دولار. ويستحوذ المغتربون اللبنانيون على الحصة الأكبر بنسبة تصل إلى 80 في المئة في ظل تراجع قدرة لبنان على استقطاب السياح نظراً إلى استمرار مقاطعة الكثير من الدول الخليجية له، ودعوات توخّي الحذر التي تُطلقها العديد من الدول الأجنبية في ظل التعقيدات السياسية والأزمات الاقتصادية التي لا تزال تلاحق البلد حتى اليوم مع انعدام آفاق الحلول المُجدية.

ومع تعويل لبنان على صيف واعد ومُنعش اقتصاديّاً، يمكن القول إنّ دخول الدولارات يُسهم على المدى القصير في ارتفاع مخزون البلاد من العملات النقدية الصعبة وفي تحقيق توازن بين العرض والطلب على الدولار، الأمر الذي يؤدي إلى الحفاظ على استقرار نسبي في سعر الصرف. غير أنّ مفعول هذه الأموال قد ينتهي مع انتهاء الموسم السياحي، إذ من المُتوقّع أن يُعاود الدولار مساراته التصاعدية لا سيّما في ظل استمرار فراغ رئاسة الجمهورية واقتراب نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان وغياب الاصلاحات الضروريّة وعدم التوصّل إلى أي اتفاق جدي مع صندوق النقد الدولي، بالاضافة إلى فقدان الثقة بالقطاع المصرفي وعدم قدرته على استثمار هذه الدولارات وتوزيعها بصورة عادلة على القطاعات كافة من أجل ضخّها في شرايين الدورة الاقتصادية وإحياء عجلة الاقتصاد، لتستفيد من أموال المغتربين والسياح قطاعات محدّدة مثل الفنادق والمطاعم والمنتجات السياحية ولتقتصر فاعليتها على الدورة الاستهلاكية فقط. ومع الزيادة في مستوى الاستهلاك، سوف يزداد الطلب على الدولار الذي سيذهب جزء كبير منه إلى خارج الحدود لشراء السلع والبضائع من أجل تلبية احتياجات المغتربين والسياح خصوصاً وأنّ اقتصاد لبنان يعتمد بصورة أساسية على الاستيراد.

على أرض الواقع، قد تنجح الدولارات الآتية من المغتربين اللبنانيين والذين يشكلون نسبة الـ20 في المئة من الشعب اللبناني في ضبط سعر الصرف، لكنها لن تفلح في معالجة الوضع المُتردّي لليرة اللبنانية. ففي العام 2022، دخل لبنان حوالي 6.4 مليارات دولار خلال الصيف، وخرج نحو 2.5 مليار دولار، بحيث بلغ إجمالي العائدات المتبقية ما يُقارب الـ 4.5 مليارات دولار نقداً ومع ذلك، لم يطرأ أي تقدّم ملموس على الوضع الاقتصادي والنقدي. وبالتالي، فإنّ الاعتماد على هذا المصدر من الأموال وحسب، لا يعني أنّ الاقتصاد يسير بصورة سليمة على طريق النمو والتعافي. كما أنّ دولارات الصيف المؤقتة لن تتمكّن من معالجة الخلل وإنقاذ بنية الاقتصاد المُتصدّعة في ظل عدم تأمين الاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني وانعدام الثقة بالقطاع المصرفي وغياب الخطط النقدية الفاعلة لتوظيف هذه المبالغ والافادة منها بالصورة المطلوبة في مشاريع استثمارية وانتاجية من شأنها أن تحفّز الاقتصاد اللبناني وتُنعشه على المدى المتوسط والطويل، وتعود بالفائدة على اللبنانيين الرازحين تحت نير أزمات مُستفحلة على مختلف الأصعدة الحياتية والمعيشية.

شارك المقال