هل يصمد “الفريش دولار” أمام الانهيار؟

هدى علاء الدين

خلقت أزمة لبنان الاقتصادية الخانقة وما نتج عنها من تدهور للعملة الوطنية نظاماً مالياً جديداً بات يعرف مؤخراً بنظام “الفريش دولار” أو الدولار النقدي، وهو نظام أصبح بحكم الأمر الواقع النظام الأكثر قوة واستدامة لتكيف اللبنانيين مع الأزمة ومواجهة تداعياتها وانعكاساتها، ليتحوّل الاقتصاد اللبناني بموجب ذلك من الاقتصاد الحر إلى اقتصاد “الفريش دولار” كنتيجة لمجموعة من العوامل المتشابكة أبرزها انهيار الليرة وتدهور القدرة الشرائية واستنزاف الاحتياطي وجفاف السوق من العملة الأجنبية وارتفاع معدلات التضخم وزيادة تكلفة المعيشة وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية.

اليوم ومع مرور أربع سنوات على بداية الأزمة، يتمتع مصطلح “الفريش دولار” بأهمية كبيرة لدى اللبنانيين باعتباره الوحدة النقدية المتاحة في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية التي يمر بها لبنان، والبديل المرغوب لتلبية حاجاتهم المالية وتأمين مستلزماتهم الأساسية. كما أنه يمتلك القدرة على الحفاظ على القدرة الشرائية التي تسمح لهم بشراء السلع والمنتجات بأسعار مستقرة تُجنّبهم ارتفاع التكاليف المرتبطة بالعملة الوطنية، فضلاً عن تعزيز الثقة والاستقرار النقدي لديهم وتوفير الحماية المالية لهم. إلا أنه وعلى الرغم من امتلاك “الفريش دولار” القدرات اللازمة لمقومات الصمود في لبنان وتشكيله وسيلة مجدية لمستخدميه لتلبية احتياجاتهم على مختلف أنواعها، لا يزال يُشكل معضلة رئيسة لكثير من اللبنانيين لناحية صعوبة تأمينه ما أدى إلى انخفاض مستوى المعيشة لحاملي الليرة، ليكون بمثابة نوع من التخريب الاقتصادي الذي أضر بهم وبقدرتهم الشرائية. فالدولار النقدي الذي يعتمد على اتجاه أسعار الصرف والوضع الاقتصادي والسياسي العام، وهي عوامل يمكن أن تتذبذب وتتغير في أي وقت، أصبح من الصعب الحصول عليه في الكثير من الأحيان، تاركاً آثاراً سلبية على بنية الاقتصاد اللبناني بعدما أجبر هذا التحول في الاقتصاد اللبناني الأفراد والقطاعات كافة على تأمين الدولار كوسيلة دفع مستقرة وحصرية في بعض القطاعات.

في بلد يُعاني من تضخم مفرط، ونقص في السيولة، وارتفاع في أسعار السلع الأساسية، وارتفاع معدلات البطالة، وتدهور الخدمات العامة، وفساد مستشرس في النظام السياسي، لا يمكن الجزم بالقدرة المستقبلية لاقتصاد “الفريش دولار” على الصمود وإن كان توافر العملة الأجنبية يؤمن السيولة المؤقتة ويساعد في تلبية احتياجات اللبنانيين. صحيح أن “الفريش دولار” يحظى بشعبية كبيرة في أوساط اللبنانيين وبات يستخدم بصورة واسعة في كل المعاملات حتى أنه يُعتبر في الوقت الراهن أحد العوامل الرئيسة التي تحافظ على السيولة النقدية بالدولار في السوق ويعمل كنظام آمن لحامليه في وجه الانهيار، إلا أنه لا يمكنه حل المعضلات الهيكلية الأساسية التي يواجهها لبنان في ظل عقبات ومشكلات بنيوية عميقة لا يمكن تجاوزها بسهولة أهمها تدهور بنية الاقتصاد اللبناني بصورة تامة. فالأمر يتطلب تحسين الوضع الاقتصادي والسياسي والبحث عن الحلول المناسبة لتحسين الاقتصاد عبر إجراءات وإصلاحات مجدية تهدف إلى إنشاء بيئة اقتصادية مستقرة وإعادة بناء الاقتصاد على أسس صحيحة وتحسين السياسة المالية والنقدية وتحديد الأولويات المالية التي تساعد على تعزيز النمو الاقتصادي.

لذا، قد يكون من الصعب في الوضع الحالي وفي ظل الظروف الراهنة التنبؤ بمدى قدرة نظام “الفريش دولار” على الصمود في لبنان مستقبلاً لأن ذلك يعتمد بصورة كبيرة على التطورات الاقتصادية والسياسية والمالية وتهيئة الأرضية السليمة لاستمرارية نظام “الفريش دولار” في المستقبل كأداة يُستسهل الحصول عليها من أجل إتمام العمليات النقدية، لا أن تكون عبئاً على اللبنانيين.

شارك المقال