رحلة البحث عن الحاكم البديل

هدى علاء الدين

يستعد مصرف لبنان لدخول مرحلة الشغور في حاكميته نهاية الشهر الجاري مع انتهاء ولاية الحاكم رياض سلامة وسط تساؤلات حول مصير القرارات والاجراءات المتعلقة بالسياسات النقدية والمالية في المرحلة المقبلة، لا سيما وأن وجود فراغ في منصب الحاكمية في هذه الفترة الحرجة يعتبر أمراً غير مرغوب فيه لناحية تأثيراته السلبية على استقرار الاقتصاد نظراً الى دور الحاكم في تنسيق السياسات النقدية وإدارة النظام المالي.

رحلة البحث عن بديل رياض سلامة التي انطلقت منذ فترة وجيزة لم تتوّج حتى الآن ببديل قادر على اتخاذ القرارات السليمة من أجل تحقيق الاستقرار المالي والنهوض بالاقتصاد من جديد، تشمل بالدرجة الأولى تحقيق الاستقرار في سعر الصرف من خلال تعزيز السياسات المالية والنقدية الصحيحة، فضلاً عن مكافحة التضخم عن طريق اتخاذ إجراءات للسيطرة على النقود المتداولة وضبط السيولة في السوق. فاليوم، يحتاج لبنان إلى تعيين حاكم جديد للمصرف المركزي لضمان استمرارية العمل واستعادة الثقة في الأسواق المالية والنظام المصرفي في ظل ارتفاع مستوى الشكوك بشأن تعاملاته وسياساته وكثرة التحديات المتعلقة بضبط المعاملات المصرفية ورقابتها، إلى جانب تعزيز الثقة ومفاعيل الرقابة في النظام المصرفي ووضع آليات صارمة للتأكد من الالتزام بالمعايير المصرفية العالمية، بالإضافة إلى المساهمة في تنفيذ إجراءات إقتصادية ومالية تعمل على تحسين بيئة الأعمال وتشجيع الاستثمار وتنويع مصادر الايرادات وتعزيز شفافية النظام المالي لاستقطاب موارد مالية بالعملة الأجنبية، تُسهم في التوجه نحو وضعية مالية أكثر استقراراً وأماناً من أجل تحقيق التوازن بين الايرادات والنفقات وتحسين إدارة الدين العام وتنفيذ سياسات مالية مستدامة.

على الرغم من أهمية تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان لتحقيق التغييرات المنتظرة في النظام المصرفي وتعزيز الاستقرار الاقتصادي، إلا أن مهمة لبنان الرسمي تبدو صعبة في ظل غياب الأرضية السياسية التي تسمح بالتوافق على حاكم موثوق به محلياً ودولياً، قادر على اتخاذ القرارات الصعبة عند الضرورة وتنفيذها بصورة فاعلة وبناء علاقات قوية وشراكات مع الهيئات المالية والنقدية الدولية لدعم لبنان. وما تلميح نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة، الذين دخلوا على خط المواجهة، بالاستقالة سوى إنذار مبطن لتحمل المسؤولية والمبادرة إلى انتخاب حاكم جديد إدراكاً منهم لصعوبة المهة الموكلة إليهم على وقع ضغوط سياسية واقتصادية خانقة وصعوبات جمّة تحول دون تنفيذ الاصلاحات الاقتصادية.

يلعب لبنان في الوقت المستقطع قبل معرفة هوية الحاكم الجديد، لتكون بذلك الأسابيع القليلة المقبلة حاسمة قبل أن يطوي لبنان صفحة رياض سلامة بانتظار خلف جديد لديه القدرة على مواجهة تحديات المرحلة إما سلباً ويدخل لبنان عندها في أزمة فراغ ثانية إسوة بفراغ الكرسي الرئاسي، أو إيجاباً لتكون بذلك عملية اختيار حاكم جديد وتعيينه بمثابة فرصة لإحداث تغيير إيجابي وتحقيق الاستقرار المالي والنقدي المطلوب.

شارك المقال