كرسي الحاكميّة… سيناريوهات مُتعدّدة أحلاها مرّ

سوليكا علاء الدين

بينما تتّجه الأنظار نحو مصير منصب حاكميّة مصرف لبنان وتحديد هويّة الحاكم الجديد، فجّر نوّاب رياض سلامة الأربعة قنبلة من العيار الثقيل مُلوّحين ومُهدّدين باستقالة جماعيّة في حال لم يقم مجلس الوزراء بتعيين حاكم أصيل خلفاً لسلامة قبل نهاية ولايته أواخر تموز الحالي. البيان المستغرب لنوّاب الحاكم شكّل مفاجأة غير متوقّعة للأوساط السياسية والمالية والمصرفية لا سيّما في هذه الأوقات العصيبة والحرجة التي يمرّ بها لبنان. فالفراغ إن وقع على مستوى حاكم “المركزي” ومجلس الحاكميّة بنوّابه الأربعة قد يُدخل البلاد في أتون الخراب النقدي والمصرفي ويُزعزع الاستقرار المالي، مُفسحاً المجال أمام الكثير من الغموض والتفلّت والفوضى العارمة.

تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان في ظل وجود حكومة تصريف أعمال يختلف الفرقاء السياسيون حول صلاحيّة عملها ليس بالأمر السهل، لا بل هو أشبه بالمهمّة المستحيلة. كما أنّ تعارض آراء هذه القوى بين مؤيد لتعيين حاكم جديد ورافض له في ظل هذه الأوضاع الراهنة، يزيد الطين بلّة. وأمام هذا الواقع المُستعصي، تُشرّع أبواب المصرف المركزي أمام ثلاثة احتمالات: يتمثّل الاحتمال الأوّل في رضوخ مجلس الوزراء لبيان نواب الحاكميّة والإقدام على تعيين خلف لسلامة، في حين يقضي الاحتمال الثاني بتطبيق أحكام قانون النقد والتسليف وتسليم نائب الحاكم الأول وسيم منصوري المسؤولية الادارية إلى حين الاتفاق على تعيين حاكم بديل. أمّا الاحتمال الثالث فيقترح التمديد لولاية سلامة تفادياً للوقوع في فخ الفراغ وحصول أي خضّة على الساحة النقديّة.

لا شكّ في أنّ تلويح نوّاب الحاكم بالاستقالة بعد انقضاء مدّة رياض سلامة أدّى إلى بلبلة في الأجواء وإلى وضع الحكومة أمام واقع يتطلّب اتخاذ قرار حاسم قبل نهاية تموز، فلبنان الغارق في مُستنقع أزماته لم يعد يملك ترف الوقت. وتدور التكهنات حول الغاية من وراء إصدار بيان كهذا وما إذا كان الأمر هروباً أو تنصّلاً من المسؤولية أو استشعاراً بالخطر القادم؛ أم أنّ الهدف منه هو إحداث ثقب ما في الجدار السياسي المسدود والضغط على مجلس الوزراء والقوى السياسية من أجل التحرك السريع والقيام بتعيين حاكم أصيل خلال أسبوعين أو ربّما اللجوء إلى التمديد للحاكم الحالي. وفي جميع الحالات، البيان الصادم سوف يلعب دوراً إضافيّاً في تفاقم حدّة الصراع وإشعال فتيل الخلافات والمشاحنات بين الأطراف كافّة لا سيّما مع غياب أدنى المؤشرات الجدية حول امكان حصول أي توافق على حلّ مسألة كرسي الحاكميّة من أجل تجنّب الشغور في السلطة النقدية الأعلى في البلاد.

بين شغور رئاسي قائم منذ نحو تسعة أشهر وشغور حاكمي مُرتقب على مستوى الحاكم ونوّابه، يقع لبنان في دوامة الفراغ القاتلة المُعطّلة لعجلة الاصلاحات والنمو والتعافي الاقتصادي. فآفاق الحلول لا تزال مسدودة حتى اليوم خصوصاً وأنّ الخلافات والنزاعات السياسية تأخذ أبعاداً طائفية خطيرة يتعذّر معها الوصول إلى أي اتفاق من شأنه أن يُشكّل بارقة أمل لإخراج لبنان من أزماته الاقتصادية والاجتماعية المُتراكمة. فعلى أرض الواقع، تعترض عمليّة تعيين حاكم جديد لـ “المركزي” عقبات ومطبات شائكة أهمّها الفشل المُستمر في انتخاب رئيس جديد للجمهورية وعدم وجود حكومة أصيلة تمتلك صلاحيات القيام بالتعيينات المهمة في مناصب الدولة الرئيسة وانعدام الاجماع السياسي على اسم بديل للحاكم.

أيّام قليلة تفصل لبنان عن انتهاء ولاية حكم رياض سلامة، وبعد أن كانت المُعطيات تتحدّث عن عمليّة انتقال سلسة من سلامة إلى منصوري، إنقلبت الطاولة رأساً على عقب بعد “تمرّد” نواب الحاكم، ليستكملوا بقرارهم فصلاً جديداً من فصول العراك السياسي الذي قد يضع البلاد تحت سيطرة هزات نقدية مالية ومصرفية من شأنها أن تؤدي إلى اضطرابات في سعر الصرف ومزيد من الإنهيار في العملة الوطنية. ومع إعلان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عدم رغبته في التمديد للحاكم أو تعيين خلف له من أجل عدم رفع منسوب الإنقسام وتعميق الشرخ بين اللبنانيين، يزداد المشهد النقدي ضبابية لا سيما في حال تقديم النواب الأربعة استقالتهم وبالتالي سيطرة الفراغ الشامل على الحاكمية وما يعكسه من تهديد للاستقرار المالي الهش، ناهيك عن رفع منسوب الفلتان النقدي وزعزعة الثقة في النظام المصرفي.

بين التمديد واللا تمديد، والتعيين واللا تعيين والشغور واللا شغور، سيناريوهات مُتعدّدة الأوجه ومُعقّدة النتائج فعلى أي سيناريو سوف ترسي الأمور؟ وهل تنجح اتصالات ومُشاورات اللحظات الأخيرة في إيجاد المخرج اللازم من أجل تأمين استمرارية العمل في هذا المرفق العام وبأقل الأضرار المُمكنة أم أنّ عدوى الفراغ” أو”تصريف الأعمال” قد تنتقل من الرئاسة والحكومة إلى الحاكميّة؟ ليبقى الجواب رهن الساعات القادمة.

شارك المقال