دهاليز تعديل التعميم 158… من المُستفيد؟

سوليكا علاء الدين

على مدار أربع سنوات، لعبت الأزمة الاقتصادية الأسوأ في تاريخ لبنان دوراً بارزاً في تعطيل النظام المصرفي والمالي وشكّلت عاملاً رئيساً في زعزعة الثقة بين المودعين والمصارف اللبنانية. فمنذ العام 2019، واللبنانيون يُعانون من احتجاز المصارف ودائعهم ويشكون من عدم قدرتهم على سحب أموالهم نتيجة فرضها قيوداَ مشدّدة لا سيّما على الدولار منها، في ظل غياب كل الخطط المالية الفاعلة والاصلاحات المطلوبة لاعادة هيكلة القطاع المصرفي والفشل في الوصول إلى أيّة حلول تُنصف أصحاب الودائع وتسترجع لهم جنى أعمارهم وحقوقهم المسلوبة.

ومع استمرار الحظر على عمليات السحب والتحويل، وتطبيق الاقتطاعات المُجحفة في حق المودعين أو ما يُعرف بالـ”هيركات” والتي بلغت نسبتها ما يُقارب الـ85 في المئة من قيمة الوديعة الحقيقية، تتصاعد لدى المواطنين أزمة ثقة بالنظام المصرفي ككل بدءاً من مصرف لبنان وصولاً إلى المصارف كافة. وعلى الرغم من إصدار “المركزي” تعاميم كثيرة ومختلفة من أجل تحديد آليّات العمل التي تسمح للمودعين بسحب القليل من ودائعهم المُحتجزة منذ بداية الانهيار، إلاّ أنّ هذه الاجراءات لم تكن على قدر آمالهم وبقيت مُجتزأة وغير مُنصفة بحيث أفقدتهم الجزء الأكبر من أموالهم.

آخر تحديثات مصرف لبنان تمثّلت في الاعلان عن تعميم وسيط عدّل بموجبه التعميم 158 الصادر في 8 حزيران عام 2021، والذي كان يُتيح للمودع سحب مبلغ وقدره 800 دولار فقط في الشهر الواحد، موزّع بالتساوي بين 400 دولار فريش و400 دولار بالليرة اللبنانية، بحيث تنقسم الأخيرة إلى نصفين: النصف الأول يسحب نقداً وفق سعر صرف 15 ألف ليرة، أمّا النصف الثاني فهو أيضاً بالليرة إنّما يوضع في البطاقة المصرفية من أجل إتمام عمليات البيع فقط. ومع تعديل التعميم الذي دخل حيّز التنفيذ بداية شهر تموز الحالي، أصبح بإمكان المُستفيدين منه سحب 400 دولار نقداً شهريّاً دون إلزامهم في المقابل بسحب 400 دولار أخرى بالليرة اللبنانية وعلى سعر 15 ألف ليرة، أي دون اقتطاع جزء كبير من ودائعهم وخضوعهم لعملية “هيركات” إجبارية، ليبقى سحب هذا المبلغ إختياريّاً وليس إلزامياً على أن لا يتجاوز المبلغ المُراد سحبه سنوياً بالدولار الفريش الـ 4800 دولار إلى حين نفاد المبلغ المحوّل إلى حسابهم الفرعي بموجب التعميم المذكور. هذا في ما يتعلّق بالمستفيدين القدامى من التعميم 158 أي منذ تاريخ إصداره في الـ2021، أمّا في ما يختصّ بالمُستفيدين الجدد أي بعد الأوّل من تموز 2023، فقد خفض سحب السقوفات من 400 دولار شهرياً إلى 300 دولار فقط ليبلغ مجموع المبلغ المسحوب 3600 دولار سنوياً.

على الرغم من أنّ التعديل لم ينصف المودعين بصورة ملحوظة، إلّا أنّ إجراء “المركزي” قد يُضاعف أعداد المُستفيدين من هذا القرار بعد أن لاقى ارتياحاً ولو طفيفاً لديهم كونه يُخفّف من الاجحاف اللاحق بهم، وذلك من خلال حصولهم على أموالهم المحددة بالدولار نقداً وإعفائهم من سحب 400 دولار بالليرة على سعر 15 الف ليرة – كما كان سائداً خلال العامين السابقين – وهو سعر أدنى بكثير من سعر صرف الدولار في السوق الموازية والذي يبلغ نحو 91 ألف ليرة، الأمر الذي يعني الحدّ من عمليات الـ “هيركات” على ودائعهم والتقليص من الخسائر المالية المفروضة عليهم.

قد تكون مُبادرة “المركزي” أولى خطوات رحلة معالجة الأوضاع المزرية للمودعين، لعلّ رحلة الألف ميل تبدأ بالخطوة الأولى؛ أو ربّما تكون محاولة جديدة من محاولاته المُتكرّرة للإمساك بالوضع النقدي وامتصاص فائض الليرة، فهو وعلى الرغم من تدنّي احتياطات العملات الصعبة لديه مُستمر بالتدخّل في سوق القطع من أجل لجم سعر صرف الدولار في السوق السوداء أو الإبقاء على استقراره الحالي، لا سيّما وأنّ لبنان قادم على مرحلة خطرة ومجهولة المصير في حال عدم تعيين حاكم جديد وتنفيذ نوّاب رياض سلامة الأربعة تهديدهم بالاستقالة الأسبوع المقبل. فهل يتخوّف “المركزي” من عواقب هذه المرحلة ويخشى عودة تفلّت سعر الصرف مع اقتراب نهاية ولاية سلامة وما يرافقها من غموض حول مستقبل منصّة “صيرفة” وسير عملها، وبالتالي يكون تعديل التعميم بمثابة خطوة استباقية من أجل السعي إلى الحفاظ على سعر صرف مُستقر عبر تجفيف الكتلة النقدية بالليرة من السوق كي لا يشكّل تفلّت سعر صرف الدولار فتيلاً لمزيد من الكوارث والاضطرابات والانهيارات؟

شارك المقال