بيروت تدفع ثمن الانهيار وتُصنّف الأغلى كلفة معيشيّاً

سوليكا علاء الدين

لم تسلم بيروت من براثن الأزمة الاقتصادية التي لا تزال تفتك بلبنان وشعبه، فالمدينة التي كانت تضجّ بالحياة والفرح والأمل باتت أشبه بمدينة كئيبة تفتقد أدنى سُبل العيش الكريم ومقوّمات الحياة الأساسيّة. لهيب الانهيار يُحاصرها من كل حدب وصوب حارقاً الأخضر واليابس، ومُغرقاً أهلها في فقر مُدقع جعلهم عاجزين عن تأمين أبسط احتياجاتهم اليوميّة في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية سوءاً وتدهور قيمة الليرة اللبنانية وتراجع القدرة الشرائيّة للرواتب والأجور وارتفاع معدّلات التضخم بصورة فاحشة.

وعلى وقع هذا الاستنزاف المُستمر للاقتصاد، حلّت العاصمة اللبنانية في المرتبة الـ290 بين 549 مدينة عالميّاً والسادسة بين 31 مدينة عربيّة وفق الدراسة النصف سنوية للعام 2023 الصادرة عن قاعدة البيانات العالمية “نامبيو” حول مؤشّر كلفة المعيشة العالمي، الذي سجّل نتيجة 54.00، مُشيراً إلى أنّ كلفة المعيشة فيها جاءت أعلى بنحو 47 في المئة من المدن المشمولة في المسح.

المؤشّر يُصنّف المدن حول العالم بحسب نتيجة المؤشّر المذكور في كلّ منها، وذلك عند مقارنته بنتائج أرقام مدينة نيويورك، بالاضافة إلى نشره احصاءات تتعلّق بأربعة مؤشّرات أخرى وهي موشّر أسعار الايجار ومؤشّر أسعار السلع ومؤشّر أسعار المطاعم ومؤشّر القدرة الشرائيّة المحليّة في تلك المدن. فعلى الصعيد العالمي، أشارت الاحصاءات إلى حلول هاميلتون في المرتبة الأولى بنتيجة 140.40 في المؤشّر، أي أنّ الأسعار فيها هي أغلى بنسبة 40.40 في المئة من الأسعار في مدينة نيويورك، تبعتها كلّ من بازل (نتيجة 130.00 في المؤشّر) وزيوريخ (نتيجة 128.50 في المؤشّر) ولوزان (نتيجة 120.60 في المؤشّر) وزوغ (نتيجة 119.10 في المؤشّر).

وفي تفاصيل الأرقام اللبنانية، صُنّفت بيروت بأنّها المدينة الأكثر غلاءً من بين 70 مدينة في الدول ذات الدخل الأدنى إلى المتوسّط التي شملها المسح. وسجّلت نتيجة 18.60 في مؤشّر أسعار الإيجار، وهي أقلّ كلفة من تلك التي في مدينة نيويورك حيث وصلت النسبة إلى 81.40 في المئة. أمّا من حيث مؤشّر أسعار السلع، فقد بلغت النسبة 36.80، الأمر الذي يعني أنّ أسعار السلع في بيروت أقلّ كلفة بنسبة 63.20 في المئة من نيويورك. وفي ما يتعلّق بمؤشر أسعار المطاعم، وصلت النسبة إلى 41.30 وهي أقلّ كلفة بنسبة 58.70 في المئة ممّا هي عليه في نيويورك. وبلغت نسبة مؤشّر القدرة الشرائيّة12.30 ، في إشارة إلى أنّها في بيروت أقلّ بنسبة 87.70 في المئة من تلك المُسجّلة في نيويورك. من جهة أخرى، أظهر التطوّر التاريخي لمؤشّر كلفة المعيشة في العاصمة اللبنانية، أنَّ الأسعار في لبنان زادت في السنوات القليلة المُنصرمة نتيجة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تشهدها البلاد وما خلّفته من غلاء كبير في المعيشة جرّاء تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الاميركي. وكشف التقرير أنّ تراجع المؤشّر في منتصف العام 2023 يعود إلى تدنّي نتائج جميع المؤشّرات المشمولة، باستثناء نتيجة مؤشّر القدرة الشرائية المحلية.

أمّا على الصعيد الاقليمي، فقد صنّفت دُبي كأغلى مدينة عربيّة عند مقارنة مستوى الأسعار فيها بأسعار مدينة نيويورك، بحيث بلغ مؤشّر كلفة المعيشة فيها 66.10 في المئة لتأتي في المرتبة الـ189 في العالم، تبعتها كلّ من خُبر (نتيجة مؤشّر كلفة المعيشة 59.80) وأبو ظبي (نتيجة المؤشّر 59.80) في المرتبتين 261 و262 عالميّاً. في المقابل، صُنًفت الكويت كأرخص دولة خليجية في مؤشر تكلفة المعيشة للنصف الأول من العام 2023، والمرتبة 14 عربياً على المؤشر عينه.

ليس بمُستغرب أن تُصنّف بيروت ضمن المدن الأكثر غلاءً للمعيشة في بلد يرزح 80 في المئة من سكانه تحت خط الفقر ويتصدّر قائمة تضخم أسعار السلع الغذائية في المنطقة بعد أن بلغت زيادة الأسعار139 في المئة، مُستمرّاً في البقاء ضمن قائمة الدول العشر الأسوأ عالمياً من حيث زيادة أسعار الغذاء الحقيقية. علاوة على ذلك، فلبنان يحتلّ المرتبة قبل الأخيرة في مؤشر التضخم العالمي، كما أنّ ليرته تتصدر قائمة أسوأ العملات من حيث الأداء السلبي حول العالم. وتُفاقم من وطأة هذه التصنيفات، سيطرة حالة الجمود والانقسام العمودي بين مختلف الأطراف اللبنانية على الساحة الداخليّة، والتي تنعكس سلباً على الجهود المبذولة من أجل إنقاذ لبنان وإخراجه من دوّامة الانحدار المُتمادي. فالبلد الغارق في مُستنقع من الأزمات، تدفع عاصمته ثمن الفراغ السياسي الخطير مُهدّداً بمزيد من الانهيار الاقتصادي وبرفع منسوب الاضطرابات الاجتماعية وزيادة حدّة المعاناة الانسانية، وبالتالي تعميق مآسي اللبنانيين وزعزعة قدرتهم على الصمود.

شارك المقال