“اللجنة الخماسية” لا تقارن بـ “الثلاثية العليا”

زياد سامي عيتاني

من حق اللبنانيين الذين يعانون إنهيارات متتابعة سياسياً ومالياً واقتصادياً واجتماعياً، أن يأملوا خيراً بكل تحرك خارجي بشأن إيجاد الحلول لأزماتهم، (عملاً بالمثل الشعبي أن الأعمى يريد زوج عيون)، على الرغم من قناعتهم بأنه لم يحن بعد موعد التسويات الكبرى، التي من شأنها أن تحمل الانفراجات لبلدهم.

وآخر هذه الآمال الاجتماع الخماسي الذي إستضافته الدوحة، وضمّ ممثلين عن الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، وبمشاركة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، المقرر أن ينقل نتائجه إلى باريس، قبل بدء جولته في بيروت من أجل الدفع بمسار الاستحقاق الرئاسي بين الفرقاء اللبنانيين.

“اللجنة الخماسية” التي شكلتها باريس، لمتابعة الأوضاع اللبنانية، أعادت بالذاكرة لمن عاصر مرحلة الحرب اللبنانية المشؤومة ونهايتها، “اللجنة الثلاثية العليا” التي تشكلت عن القمة العربية عام 1989، وكلفت ترتيب تسوية سياسية بين اللبنانيين لوقف الحرب.

“اللجنة الثلاثية العليا” تألفت من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز والعاهل المغربي الملك الحسن الثاني والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد. حينذاك، كان لبنان بلا رئيس جمهورية، إذ إن النواب (كما حالنا اليوم) لم يتمكنوا من إنتخاب رئيس جديد، وباتت البلاد تحت حكم حكومتين، الجيش منقسم، الميليشيات المتقاتلة أنهكت، الشعب يائس، الأفق مسدود، بعدما كانت أوزار الحرب اللبنانية قد فكّكت كل مفاصل الدولة، أطبقت الميليشيات عليها بالكامل.

هذا ما دفع بالجامعة العربية إلى رفع وتيرة إهتمامها بلبنان الذي كان يحتضر، وذلك بمبادرة سعودية إنتهت لاحقاً بوقف إطلاق النار بين الأطراف اللبنانية المتنازعة، ووقف الحرب المدمرة.

“اللجنة الثلاثية العليا” تحركت إقليمياً ودولياً كما تحركت داخلياً عبر موفدها الأخضر الابراهيمي، الذي أدّى دوراً مهماً في إتمام إتفاق الطائف الذي أنهى، عملياً، الحرب الأهلية اللبنانية، بعدما دعت السعودية النواب اللبنانيين إلى مؤتمر الطائف برعايتها تحت مظلة دولية، وتمخض عنه الاتفاق الذي حمل أسم المدينة المستضيفة، ليقر بعد ذلك دستوراً لما تمت تسميته “الجمهورية الثانية”.

في تلك المرحلة، كانت موازين القوى الاقليمية متوازية ومتقاربة، والعلاقات بين السعودية وسوريا في ذروتها، ما مهد الطريق لانهاء الحرب، بمؤازرة دولية، بعدما أنهت وظيفتها، وباتت عبئاً على الدول التي كانت تمولها وتحركها.

اليوم بات واقع الحال مختلفاً، خصوصاً بعد التطورات الدراماتيكية في المنطقة، بكل ما خلفته من تحولات ومتغيرات جذرية، إنعكست خللاً كبيراً في ميزان القوى المحلية والاقليمية، يستحيل معه أي تشبيه في عمل اللجنتين “الثلاثية” و”الخماسية” ودورهما وإمكاناتهما.

على الصعيدين العربي والدولي، وعلى الرغم من بعض الانفراجات الاقليمية، ليست هناك رؤية موحدة لمقاربة حلول الأزمة اللبنانية بكل مندرجاتها، خصوصاً وأن عواصم القرار التي كانت ذات تأثير كبير على مجريات الأوضاع في لبنان، لم تعد أولوية بالنسبة اليها، لأن لديها ملفات عالقة أكثر إلحاحاً وحيوية.

أما على الصعيد الداخلي، فلا توازن فعلي بين الفرقاء، إزاء فائض القوة التي يمتلكها “حزب الله”، وجعلته متحكماً ومهيمناً على كل ما يتعلق بالدولة ومؤسساتها وسياساتها، من دون أن يقابل ذلك أي قدرة محلية على المواجهة الفعلية، خصوصاً مع تفاقم الانقسامات، وتفشي الفساد المستحكم.

بناءً عليه، لا مجال للمقارنة بين اللجنتين، ولا يمكن التعويل على “الخماسية” لإنهاء الأزمة اللبنانية، على غرار “الثلاثية”، فكل المشهد السياسي حول لبنان قد تبدل وتغير بصورة جذرية، ما يفقد هذه اللجنة أي قدرة على إنتاج تسوية لبنانية جدية، بل ان دورها سيقتصر على أن تحض الفرقاء على المسارعة إلى إنتخاب رئيس وإجراء الإصلاحات المطلوبة، وهذا لن يحصل مع هذه التركيبة السياسية الفاسدة، الأمر الذي يبقي لبنان في مهب الإنهيار، إلى أن تنضج الظروف الدولية والاقليمية التي تسمح ببلورة خطة إنقاذ، تفرض على اللبنانيين.

شارك المقال