سلامة يُسدل الستار… والبديل مفقود

سوليكا علاء الدين

عشيّة الذهاب إلى الجلسة الوزاريّة من أجل تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان والتي تعذّر انعقادها بسبب عدم توافر النصاب، أقفل رياض سلامة باب التكهنات والاحتمالات أمام كواليس التمديد له في اللحظات القليلة من أجل بقائه في منصب حاكميّة “المركزي”. قرار المُغادرة جدّده الحاكم خلال مقابلته الوداعيّة الأخيرة وذلك قبل خمسة أيام على انتهاء ولايته، بحيث أكّد أنّه بصدد طي هذه الصفحة من حياته في إشارة واضحة إلى عدم نيّته الاستمرار في التربّع على عرش الحاكميّة وذلك بعد حقبة طويلة امتدّت على مدى 30 عاماً.

في آخر أيّام حُكمه، اختتم سلامة مشواره الحافل بالتقلبات بجلسة دفاع عن مسيرة صاخبة رأى فيها أنّه تم تحويله في نهايتها إلى كبش محرقة، رافضاً تحمّله مسؤوليّة الانهيار الحاصل ونافياً جميع تُهم الاختلاس المُوجهة ضدّه. فالانهيار حسب قوله ليس صنيعة مصرف لبنان، إنّما هو نتاج عدم التزام الحكومات بتنفيذ الاصلاحات، معتبراً أنّ أولى خطوات الاصلاح الجديّة تبدأ بإلغاء امكان استدانة الدولة من “المركزي”. وأشار إلى أنّ مصرف لبنان أدار الاقتصاد بمفرده في وقت لم تكن فيه حكومة، وأسهم خلال 27 عاماً في إرساء الاستقرار والنمو الاقتصادي بحيث ارتفع الناتج المحلّي إلى 55 مليار دولار. أمّا بالنسبة إلى ودائع القطاع المصرفي، فقد شهدت ارتفاعاً بما يفوق الـ170 مليار دولار خلال ولايته، كما قام “المركزي” بردّ الدولارات إلى القطاع وبزيادة وصلت إلى 34 مليار دولار مع التأكيد على عدم وجود ودائع الناس في المصرف المركزي الذي يُريدون تحميله كامل المسؤوليّة.

وفي ما يتعلّق بمنصّة “صيرفة”، إنتقد الحاكم المُطالبة بإلغائها بعد أن جعلت مصرف لبنان اللاعب الأساس في السوق من دون أن تكلّفه أي خسارة بالدولار، وهي على حد قوله، أسهمت في تأمين الاستقرار النقدي وإعادة تحريك عجلة النمو الاقتصادي إذ سجّل شهر حزيران الحركة الاقتصادية الأفضل منذ العام 2013. وأعلن أنّ احتياطي المركزي يبلغ اليوم 14 مليار دولار و305 ملايين باستثناء الذهب و9 مليارات و400 مليون دولار تستخدم في الخارج.

وعن مأزق نواب الحاكم، أوضح سلامة أنّ الأزمة القائمة حاليّاً ترتبط بمطالبتهم بالحصول على التغطية القانونية من أجل استخدام الاحتياطي، داعياً النواب وفي طليعتهم نائب الحاكم الأوّل وسيم منصوري إلى تسلم المؤسسة النقديّة، مُتمنّياً بقاءها على قيد الصمود. ولم يُخفِ اعتقاده بوجود نظرية مؤامرة ضد لبنان من أجل اتهامهه وإسقاط نظامه من أطراف داخليّة وخارجيّة، مُشيراً إلى شنّ حملة موجهة ومموّلة ضدّه عبر الاستعانة بصحف ووسائل إعلام دوليّة لا سيّما خارجيّاً. وفي موازاة الحملة الدفاعية التي قادها سلامة، يُحمّله الكثير من اللبنانيين وبالتعاون مع الطبقة الحاكمة مسؤولية التدهور الاقتصادي والمالي والنقدي الذي يعصف بلبنان منذ خريف العام 2019، ويلقون باللوم على المنظومة التي تلاعبت بمصيرهم وسرقت أموالهم وأساءت استخدام الأمانة الموكلة إليهم.

أيّام معدودة ويُسدل الستار على ولاية رياض سلامة وكرة النار التي حملها طيلة سنوات الأزمة، ها هو يُبعدها عنه ويرميها في ملعب المنظومة الحاكمة التي لم تجد حتى اليوم الشخص البديل القادر على تلقّفها وتسلمها عنه، إذ لا يقبل إلاّ انتحاري بتولّي مهمّة كهذه. فالحلول لا تزال غير مُتاحة كما أنّ جلسة تعيين الحاكم الجديد باءت بالفشل منذ الاعلان عنها مع استمرار الخلاف الشرس وتصاعد حدّة الأجواء المتوتّرة ورفض بعض القوى السياسية مبدأ التعيين من حكومة تصريف أعمال، ترى أنّه لا يحق لها تعيين أي موظف من الفئة الأولى لا سيما في ظل عدم وجود رئيس جمهورية للبلاد.

إذاً، بات من الواضح عدم قدرة السياسيين على تعيين حاكم جديد لـ”المركزي”، فالقوى التي لم تنجح في الاتفاق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ 9 أشهر لن تفلح في بضعة أيام في التوافق على طرح إسم بديل لسلامة. وعوض أن يكون استحقاق الحاكميّة فرصة لإعادة مدّ جسور الحوار والتواصل بين الفرقاء المُتنازعين من أجل تجنيب لبنان – الذي بات على مشارف دخول عام خامس من الانهيار المُدوي – أزمة مصرفيّة جديدة وخضات نقدية ومالية هو بغنىً عنها، شكّل هذا الملف عامل جذب لمزيد من المُزايدات والمُناكفات وتسجيل النقاط الخاسرة. وتعلو الأصوات المُحذّرة من امكان حدوث أي تصعيد مالي ونقدي أو افتعال أي هزّات أمنيّة بات صداها يتردّد كثيراً في الآونة الأخيرة جرّاء تزايد المخاوف من طول أمد الشغور الرئاسي، بحيث أصبحت انعكاساته تتجلّى في تفشّي الفراغ تباعاً في مؤسسات الدولة على اختلاف مشاربها، بدءاً من منصب الحاكمية نهاية شهر تموز الجاري وصولاً إلى قيادة الجيش في كانون الثاني 2024 مع انتهاء ولاية العماد جوزيف عون، مُنذرة بأشهر عصيبة ومصيرية ما لم يتحمّل الجميع مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقيّة.

شارك المقال