بين الليرة والدولار… الرواتب هاجس الموظفين الشهري

سوليكا علاء الدين

حتى اللحظة لم تنجح مساعي الرئاستين الثانية والثالثة في تنفيذ شرط القائم بأعمال حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري الذي يقضي بتشريع قانون اقتراض الحكومة من مصرف لبنان لتلبية احتياجات الدولة المُلحّة. فلا يزال منصوري مصرّاً على عدم التراجع عن مطلبه، ومُتمسكاً بضرورة البدء بورشة إصلاح جذريّة كشرط أساس لأي تمويل مُحتمل للدولة وفق وقت مُحدّد وبموجب قانون صادر عن المجلس النيابي يكفل إعادة الحكومة أموال “المركزي”.

الاتصالات والمُشاورات تجري على نار حامية من أجل التوصّل إلى مخرج ملائم على اعتبار أن وقف التمويل الفوري للحكومة وفق الحاكم بالإنابة، لا يمكن أن يتمّ بصورة مفاجئة، فتمويل المصرف بعد وقف الدعم مُقترن برواتب موظفي القطاع العام وفق منصّة “صيرفة”، كذلك الدواء واحتياجات القوى الأمنية ومستلزمات الادارة لتأمين الجباية. على صعيد الرواتب، تتعدّد السيناريوهات المُقترحة ما بين دفعها بالليرة أو الدولار. ففي حال انعدام الاتفاق حول التشريع المطلوب، تُشير المُعطيات إلى توجّه الحكومة نحو صرف الرواتب بالليرة اللبنانية كونها تستطيع دفع هذه المستحقات من ايرادات الجباية التي تمّ تحصيلها والبالغة 21 مليار ليرة لبنانية، فحساب الحكومة الموجود في “المركزي” بالعملة الوطنية يستطيع تغطية قيمة الرواتب لمدّة ما يُقارب الأربعة أشهر، هذا يعني أنّ لا خوف من أزمة رواتب فهي مُتوافرة، في حين يبقى النقاش دائراً حول كيفيّة توزيعها ودفعها إلى موظفي القطاع العام.

وفي حال اعتماد هذا السيناريو، من المُرجّح أن لا يُثير صرف رواتب الموظّفين بالليرة اللبنانية في الوقت الحالي بلبلة واسعة لديهم، إذ إنّ الفارق بين سعر الدولار على منصّة “صيرفة”، “المتوقّفة حاليّاً” وسعر الدولار في السوق المُوازية ليس كبيراً بحيث لا يتعدّى نسبة الـ3 في المئة، أي أنّ الموظف لن يكون قادراً على تحقيق أي ربح أو قيمة إضافيّة لو تقاضى راتبه حسب دولار منصّة “صيرفة”. إلاّ أنّ الخشية الرئيسة تكمن في مدى انعكاس خطوة كهذه على الاستقرار النقدي، فالقيام بضخّ ما يُقارب 7 تريليون ليرة لبنانية في غضون يومين من شأنه أن تكون له انعكاسات سلبية على سعر صرف الدولار. ويتخوّف المصرف المركزي من توافر الكتلة النقديّة بالليرة اللبنانية بهذه الكميّة الهائلة في السوق، إذ من شأنها أن تزيد الطلب والضغط على الدولار وتؤدّي إلى ارتفاع سعره في السوق السوداء، وهكذا سوف يعود المنحى إلى مساراته التصاعدية من جديد.

تداعيات هذا السيناريو طرحت فكرة تجزئة الرواتب وعدم إعطائها للموظفين كدفعة واحدة بل أن يعمد إلى تقسيمها على مدى أيام الشهر من أجل تجنّب حصول أي هزّة نقدية في الوقت الراهن. وبهذه الطريقة، يمكن التخفيف من حدّة تضخّم الكتلة النقدية ومن تأثير زيادة السيولة بالليرة على سعر الصرف وبالتالي لجم أي ارتفاع محتمل للدولار. سيناريو آخر يجري الحديث عنه في الكواليس وهو توجّه منصوري إلى السوق من أجل شراء الدولار وفق إيرادات الدولة من الليرة، وبهذا تؤمن الرواتب بالعملة الخضراء من خارج التوظيفات الالزامية للمصرف المركزي. وفي حال النجاح في هذا التحدي الصعب، يكون منصوري قد ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول هو الابقاء على التزامه بعدم المس بالاحتياطي، والثاني الحفاظ على الاستقرار النقدي وتجنّب الإفراط في ضخ الليرة وإنقاذ العملة الوطنية من أي تدهور إضافي.

اقتراحات تسديد رواتب شهر آب بين الليرة والدولار لا تزال قيد الدرس بانتظار رسوّ القرار على واحد منها. وإلى حين الإتفاق على الآليّة المُناسبة للدفع، يبقى قبض الرواتب نهاية كل شهر الهاجس الأكبر للموظفين الذين يعيشون حالة قلق نفسية ومادية مُستمرّة جرّاء تهديدهم المُتواصل بعدم إمكان الحصول عليها. كما تزداد خشيتهم من اللجوء إلى “ليلرة” الرواتب كخيار دائم وما قد ينتج عنه من مُعاودة تفلّت الدولار في السوق السوداء وعودة الاضطرابات إلى الليرة، الأمر الذي يعني تآكل المزيد من قيمة رواتبهم والحد من قدرتها الشرائيّة المُنعدمة وعدم الافادة من أي إقرار لاعتمادات إضافيّة مُقترحة على الرواتب. وبذلك، يبقى موظّفو القطاع العام الفئة الأكثر تضرّراً في ظلّ الاستمرار في انتهاج سياسة أنصاف الحلول، مع الاشارة إلى أنّ الحكومة تستطيع أن تغطّي نفقاتها كافة، وتحديداً الرواتب والأجور من خلال العائدات المُحصّلة والعمل على تحسين الايرادات وتفعيل الجباية ووقف مزاريب الهدر والفساد التي توفّر لها مبالغ طائلة تُغنيها عن ذريعة الإقتراض من مصرف لبنان لتأمين احتياجاتها.

شارك المقال