منصوري يغيّر المعادلة ويكشف أرقام “المركزي”

هدى علاء الدين

في سابقة هي الأولى من نوعها، والتزاماً بما أعلنه حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري بالتعهد بالشفافية الكاملة والإطار القانوني، أصدر مصرف لبنان بياناً مفصلاً أظهر فيه بالأرقام موجودات “المركزي”، وأرفقه بالتزام خطي بعدم المساس بالاحتياطي الالزامي الذي بلغ مع نهاية شهر تموز الماضي 8.573 مليار دولار إلا لتسديد الالتزامات الخارجية فقط.

البيان الذي أتى في صفحتين استند فيه الحاكم بالإنابة إلى محاضر التسليم والتسلم والتي ارتكزت على الأرصدة الموقوفة في 31 تموز 2023، وباشر بالتدقيق في الحسابات عبر المديريات المعنية بالتنسيق مع مديرية التدقيق الداخلي في المصرف، حيث تم البدء بحسابات السيولة الخارجية لتحديد أرصدتها المتوافرة لدى مصرف لبنان وما يقابلها من التزامات خارجية. وبالأرقام، تبين أن مصرف لبنان لديه بنهاية شهر تموز الماضي سيولة خارجية تُعادل 8 مليارات و573 مليون دولار موزّعة على الشكل التالي: نقد في الصندوق (1530 ملياراً)، حسابات جارية (3114 ملياراً)، ودائع لأجل (3711 ملياراً)، أوراق ماليّة دولية (218 مليوناً). وتضاف إليها القيمة السوقية لمحفظة سندات اليوروبوندر البالغة 387 مليون دولار، من دون أن يتضمن ذلك قيمة الموجودات من الذهب.

كما أشار إلى وجود التزامات خارجية على مصرف لبنان بقيمة مليار و270 مليون دولار يقتضي تسديدها عند الاستحقاق من السيولة الخارجية، مشدداً على التزام مصرف لبنان والمجلس المركزي للمصرف بعدم الصرف من رصيد الاحتياطي إلا لتسديد الالتزامات الخارجية وتسديد حصة مصرف لبنان من مدفوعات التعميم الأساس رقم 185. وتتضمن الالتزامات الخارجية 275 مليون دولار نقدي لحسابات القطاع العام بالدولار (Fresh Dollar)، و8 ملايين دولار لحسابات القطاع المصرفي بالدولار (Fresh Dollar)، و125 مليون دولار لرصيد حقوق السحب الخاصة المتوافر للاستعمال، و96 مليون دولار اعتمادات مستندية مفتوحة من مصرف لبنان، و660 مليون دولار قروض لجهات عربية، و106 ملايين دولار ودائع عربية، لافتاً إلى أنّ القروض والودائع العربيّة هي التزامات طويلة الأجل تترتب عليها فوائد.

يأتي بيان مصرف لبنان اليوم كتأكيد على موقف الحاكم بالإنابة بالتزامه التقيد بقرار المجلس المركزي والذي يقضي بعدم جواز المساس بالتوظيفات الالتزامية المودعة من المصارف في مصرف لبنان، وعلى ضرورة الحفاظ على ما تبقى من الاحتياطي وعدم هدره إسوة بما حصل بالـ ٣٢ مليار دولار التي صرفت منذ العام ٢٠١٩، نظراً إلى أهمية بقاء هذه الأموال في “المركزي” كضمانة لأموال المودعين وحث الدولة على تحمل مسؤوليتها بصورة جدية وإيجاد مصادر بديلة عن مصرف لبنان لتمويل نفقاتها.

فالسياسة التي يتبعها منصوري منذ استلامه منصب الحاكمية، يسعى من خلالها إلى فرض سلطته على السلطة السياسية التي لا تزال على نهجها في الاستدانة على الرغم من تخطي الاحتياطي الالزامي الخطوط الحمر، وإلى مصارحة الرأي العام ووضعه أمام حقيقة أرقام المصرف المركزي التي لن تكون بعد اليوم بعيداً عن متناول اللبنانيين. وفي الوقت الذي يبدو فيه واضحاً أن منصوري يسعى بجهد إلى طمأنة المجتمع المحلي (لا سيما المودعون) والمجتمع الدولي من خلال اتخاذ قرارات تعيد الثقة إلى مصرف لبنان وتُبقي على استقرار العملة الخضراء في السوق واتباع نهج في العمل مخالف لنهج الحاكم الأسبق رياض سلامة الغامض والمتستر على الأرقام، تبقى حقيقة تراجع سيولة مصرف لبنان إلى هذا المستوى المتدني أخطر ما في الأمر خصوصاً إن لم تتم تغذية “المركزي” بالسيولة اللازمة لعودة الاحتياطي إلى مستوياته السابقة كضمانة وحيدة لاستمرار القطاع المصرفي واسترداد أموال المودعين.

شارك المقال