التصنيفات الائتمانية السيئة تُحاصر لبنان

هدى علاء الدين

يعكس سوء التصنيفات الائتمانية مدى الصعوبات الاقتصادية والمالية الجسيمة التي يواجهها لبنان وانعدام قدرته على سداد ديونه في ظل إشكاليات إقتصادية يصعب حلها نظراً الى التعقيدات السياسية والغموض الرئاسي الذي يسيطر على البلد، والتي تحتاج جميعها إلى جهود ليست متاحة في الوقت الحالي من أجل معالجة الأزمات واستعادة الاستقرار الاقتصادي الجاذب للاستثمارات والعملة الأجنبية.

ومع تخفيض وكالة “فيتش” منذ أيام التصنيف الائتماني طويل الأجل بالعملات الأجنبية للبنان والتصنيف الائتماني قصير الأجل بالعملة المحلية من “C” إلى حالة التخلف عن الدفع المقيدة “RD”، قررت وكالة التصنيف الائتماني “ستاندرد آند بورز غلوبال” الاحتفاظ بالتصنيف الائتماني بالعملة الأجنبية للبنان عند SD/SD والتصنيف الائتماني بالعملة المحلية عند CC/C، في حين أبقت نظرتها المستقبلية للتصنيف الائتماني طويل الأجل بالعملة المحلية “سلبية”، ما يعني أن لبنان عاجز عن سداد ديونه بالعملة الأجنبية، فضلاً عن وجود احتمالية مرتفعة لمزيد من التدهور في الوضع المالي على المدى الطويل، الأمر الذي يزيد من خطر عدم القدرة على سداد الديون وتحسين الوضع الاقتصادي.

وبحسب الوكالة، فإن التوقعات لا تفترض حدوث أي تحسن كبير في صنع السياسات في المستقبل القريب، مشيرة إلى أن تحصيل إيرادات بسعر الصرف على منصة “صيرفة” سيخفف بصورة متواضعة الاختناقات المالية اعتباراً من 2023، لتكون بذلك المنصة قد أسهمت في تقليل بعض الصعوبات المالية التي يواجهها النظام المالي اللبناني، من دون أن يكون لذلك تأثير كبير على الوضع المالي عموماً. وتجدر الاشارة إلى أن التصنيف “SD” يعني أن الدولة اختارت بصورة اختيارية عدم الامتثال لبعض الالتزامات المالية المحددة، بحيث يعكس هذا التصنيف عدم القدرة على الوفاء بالتزامات محددة في الوقت الراهن نتيجة عوامل مؤقتة أو صعوبات مالية قصيرة المدى.

إذاً، التصنيفات الائتمانية الضعيفة لا تزال تعكس صعوبة توفير السيولة وتعويض النقص في النقد الأجنبي وسط تراجع الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان، لتزيد بذلك من العبء لناحية استحالة تليبة الالتزامات المالية المحلية والخارجية. فعلى الرغم من القفزات في القطاع السياحي بنسبة 32 في المئة في النصف الأول من العام الجاري، إذ بلغ عدد السائحين الوافدين إلى لبنان 751,190 سائحاً في الأشهر الستة الأولى من العام 2023 ارتفاعاً من 570,738 خلال الفترة نفسها من العام 2022 وهو أعلى مستوى مسجل منذ العام 2019 وذلك بحسب بيانات وزارة السياحة، بالتوازي مع الاستقرار النسبي لسعر صرف الدولار في السوق السوداء عند عتبة الـ ليرة89000، إلا أن ذلك ليس كافياً لتحريك معدلات النمو الاقتصادي وتمكين لبنان من الالتزام بسداد ديونه.

اليوم، تُحاصر التصنيفات الائتمانية السيئة لبنان في ظل تراجع مكانته الاستثمارية والمالية وفقدان الثقة باقتصاده الذي لا يزال عاجزاً عن تنفيذ إصلاحات ضرورية لاستعادة موقعه في الأسواق العربية والمالية. ومع استمرار ضعف القدرة على السداد وتراجع المؤشرات الاقتصادية وسوء الادارة المالية التي تضع الدائنين في حالة من عدم اليقين، سيكون من الصعب العودة إلى التصنيفات الايجابية لا سيما أن ذلك يتطلب استقراراً سياسياً يُعيد الى لبنان سُمعته الحسنة لدى الدول المانحة واتخاذ الاجراءات لتحسين القدرة على السداد وإعادة بناء الثقة باقتصاده.

شارك المقال