مؤشر الأسعار… ارتفاع يتجاوز حدود المعقول

هدى علاء الدين

يشهد الوضع الاقتصادي في لبنان العديد من التحديات التي تؤثر بصورة كبيرة على حياة اللبنانيين ومعيشتهم، بحيث يستمر مؤشر أسعار الاستهلاك في الارتفاع بطريقة متسارعة نتيجة عوامل متعددة أبرزها الانهيار الاقتصادي واللااستقرار السياسي وما رافقهما من عدم تنفيذ سياسات مالية ونقدية فاعلة للحد من ارتفاع الأسعار، والتأخير في اتخاذ القرارات الضرورية لمعالجة الأزمة الاقتصادية إلى جانب التضخم المفرط الذي أدى إلى انهيار القوة الشرائية للعملة الوطنية التي فقدت أكثر من 90 في المئة من قيمتها مقابل ارتفاع تكلفة المعيشة، فضلاً عن ارتفاع الرسوم والضرائب التي انعكست ارتفاعاً في تكاليف الانتاج ومن ثم الأسعار.

وفي أحدث الأرقام الصادرة عن إدارة الاحصاء المركزي، ارتفع معدل التضخم بحسب دراسة مؤشر أسعار الاستهلاك بصورة كبيرة مسجلاً 251,5 في المئة على أساس سنوي في تموز الماضي، أي ما يعادل 6,8 في المئة مقارنة مع شهر حزيران بسبب ارتفاع مؤشر الخدمات الطبية والاستشفائية. وفي التفاصيل، ارتفعت أسعار السلغ الغذائية بنسبة 279 في المئة وأسعار المساكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى بنسبة 234 في المئة، في حين ارتفعت التكاليف الصحية بنسبة 257 في المئة وتكاليف النقل بنسبة 222 في المئة.

ولدى مقارنة مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان خلال السنوات العشر الأخيرة، يتبين أن معدل التضخم ارتفع من 1,9 في المئة في العام 2014 إلى 251,5 في المئة في العام 2023، لتكون نقطة التحول في هذا المسار التصاعدي عام 2020 بعدما ارتفع إلى 84,9 في المئة من 2,9 في المئة عام 2019 مع بداية الأزمة الاقتصادية. وعليه، يُظهر تحليل هذه الأرقام تطوراً كبيراً في معدل التضخم وتفاقم الأزمة الاقتصادية خلال هذه السنوات، بحيث تحوّل الاستقرار النسبي في أسعار السلع والخدمات إلى حالة من الفلتان غير المبرر ما أثر بصورة مباشرة على القدرة الشرائية وزاد من الضغوط الاقتصادية على معظم العائلات اللبنانية. وعلى الرغم من استقرار سعر صرف الدولار خلال الأشهر الأخيرة، إلا أن الأسعار لا تزال على منحاها التصاعدي، وتشهد ارتفاعات متتالية، وهو أمر بات يتلمسه اللبنانيون منذ البدء بالتسعيرة الدولارية وتحكم التجار بالأسعار من دون حسيب أو رقيب.

تعكس أرقام مؤشر الاستهلاك بصورة واضحة الانهيار الاقتصادي وتدهور العملة الوطنية وحجم التحديات التي يواجهها الاقتصاد اللبناني، لا سيما وأن عودة مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان إلى مستويات طبيعية تتطلب إجراءات شاملة لعودة الاقتصاد إلى مساره الصحيح أبرزها استقرار الوضع السياسي والاقتصادي، وضع سياسات مالية ونقدية مستدامة وصارمة للحد من التضخم المفرط وضبط النفقات الحكومية للتحكم في العجز المالي وتعزيز القوة الشرائية للعملة الوطنية، وتنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة وزيادة الشفافية في القرارات الاقتصادية والمالية، فضلاً عن تحقيق الأمن الغذائي والتقليل من الاستيراد عبر دعم الانتاج المحلي الذي يخفف من عبء تقلبات الأسعار العالمية على السلع المستوردة. ومع غياب هذه الاجراءات، من المتوقع أن يواصل مؤشر أسعار الاستهلاك في لبنان، الذي لا تزال لأسبابه الكلمة الفصل في مساره التصاعدي، الارتفاع في الأشهر المقبلة مع استمرار حالة الفوضى في التسعير النقدي في الدولار والذي دائماً ما يُبرّر بارتفاع الدولار الجمركي والرسوم الاضافية على السلع المستوردة.

شارك المقال