النفط والمرأة والتحول الرقمي… ثلاثية السعودية الذهبية

هدى علاء الدين

شهدت المملكة العربية السعودية نمواً ملحوظاً في السنوات الأخيرة بالتزامن مع بدء تنفيذ خطة الرؤية السعودية 2030 التي تهدف إلى تنويع اقتصادها وتطوير العديد من القطاعات، فضلاً عن تحقيق تقدم كبير في البنية التحتية وتطوير القطاعات الاستثمارية المختلفة كالسياحة والترفيه والتكنولوجيا والصناعة، وتعزيز القطاع المالي والاقتصادي الذي أدى إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وفي أحدث التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي، تبين أن اقتصاد السعودية حقق أسرع نمو في مجموعة العشرين خلال العام 2022، مدعوماً بتنفيذ برنامج الاصلاح في ظل “رؤية السعودية 2030” وارتفاع أسعار النفط. وبفضل قوة الانتاج النفطي، بلغ النمو الكلي 8,7 في المئة، في حين سجّل نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي حوالي 4,8 في المئة بسبب صلابة مستويات الاستهلاك الخاص والاستثمارات الخاصة غير النفطية، بما في ذلك المشروعات الكبيرة بالتزامن مع استمرار زخم النمو غير النفطي خلال العام الجاري.

ومع زيادة نسب المشاركة في القوة العاملة، تراجع مجموع البطالة إلى 4,8 في المئة مع نهاية العام 2022 مقابل 9 في المئة خلال جائحة كوفيد، وهو ما يعكس ارتفاع أعداد العاملين السعوديين في القطاع الخاص وتزايد العاملين الوافدين مقارنة بمستويات ما قبل الجائحة (ويتركز معظمهم في قطاعي البناء والزراعة). وفي مقارنة مع العامين السابقين، تراجع معدل بطالة الشباب إلى النصف عند 16,8 في المئة في العام 2022، في حين بلغت نسبة مشاركة الإناث في القوة العاملة 36 في المئة في العام نفسه، متجاوزة نسبة الـ 30 في المئة المستهدفة في برنامج الاصلاح الذي وضعته الحكومة السعودية في ظل “رؤية السعودية 2030”. أما لناحية معدلات التضخم، فلا تزال منخفضة وهي مستمرة في التراجع بحيث سجل متوسط الرقم القياسي لأسعار المستهلك نمواً بنسبة 2,5 في المئة على أساس سنوي مقارنة مع العام 2022. وفي أيار 2023، عادت مستويات التضخم الكلي إلى 2,8 في المئة على أساس سنوي بعد ارتفاعها في أوائل العام 2023 إلى 3,4 في المئة على أساس سنوي.

وبحسب صندوق النقد الدولي، لا يزال الجهاز المصرفي على مسار قوي إذ تتسم نسبة كفاية رأس المال الاجمالية بالقوة، في حين أن نسبة القروض المتعثرة منخفضة وآخذة في التراجع. أما القروض المرتبطة بالمشروعات والقروض الاستهلاكية فلا يزال الطلب عليها قوياً. من جهة أخرى، أسهمت ديناميكية سوق النفط المواتية في تعزيز مركز المالية العامة في 2022، الذي تحول إلى تحقيق فائض قدره 2,5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للمرة الأولى منذ العام 2013. كذلك أسهم ارتفاع أسعار النفط وزيادة الانتاج النفطي فضلاً عن بلوغ الصادرات غير النفطية مستويات قياسية في تحسين أوضاع الحساب الجاري، بحيث بلغ الفائض عام 2022 أعلى مستوياته خلال 10 سنوات.

وعلى الرغم من عدم اليقين الذي يكتنف البيئة الخارجية، يعتقد صندوق النقد أن الآفاق إيجابية في ظل التوقعات باستمرار قوة زخم نمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، مشيراً إلى احتمالات متوازنة تحيط بالآفاق المتوقعة. فعلى الجانب الايجابي، سيتسنى دعم النمو بفضل ارتفاع أسعار النفط والتغير المحتمل في حجم تخفيضات الانتاج النفطي المنصوص عليها في اتفاقية أوبك+ والاصلاحات الهيكلية العاجلة والاستثمار. أما على جانب التطورات السلبية، فيمثل تراجع أسعار النفط نتيجة تباطؤ النشاط العالمي أحد أبرز المخاطر على المدى القصير، بينما يمكن أن يؤدي تحول اتجاهات الطلب على الوقود الأحفوري بوتيرة أسرع من المتوقع إلى تعطيل النمو على المدى المتوسط إلى الطويل.

ورحّب الصندوق بالتحول الاقتصادي الجاري في المملكة والذي تدعمه إصلاحات جديرة بالثناء في ظل برنامج “رؤية السعودية 2030” وارتفاع أسعار النفط، وهو ما ساعد على تحقيق ارتفاع معدلات النمو، وانخفاض البطالة إلى أدنى مستوياتها القياسية، واحتواء التضخم، وقوة الاحتياطيات الوقائية الخارجية والمالية، مع الحد من الاعتماد على النفط. كما نوّه بالجهود من أجل تعبئة الايرادات غير النفطية وكانت نتيجتها مضاعفة هذه الايرادات منذ العام 2017، داعياً إلى مزيد من التصحيح لأوضاع المالية العامة على المدى المتوسط وهو ما سيسمح للمملكة بالحفاظ على احتياطيات وقائية قوية وتلبية الاحتياجات اللازمة لتحقيق العدالة بين الأجيال مع تخفيف المخاطر الناجمة عن تقلب أسعار النفط. ولدعم هذه الاستراتيجية، دعا الصندوق إلى بذل مزيد من الجهود لتعبئة الايرادات غير النفطية، بما فيها الإبقاء على معدل ضريبة القيمة المُضافة.

وعن نظام سعر الصرف المربوط، اعتبر الصندوق أنه يحقق نفعاً كبيراً، مشيراً إلى التقدم الكبير نحو تنفيذ جدول أعمال المملكة للاصلاح الهيكلي، ومرحباً بالتحسن الملحوظ في مشاركة المرأة في سوق العمل وأوجه التحسن في البيئة التنظيمية وبيئة الأعمال، وهو ما أسهم في زيادة استثمارات القطاع الخاص، وشجع البناء على هذا التقدم الايجابي. كما دعا إلى توخي الدقة في معايرة برامج الاستثمار لضمان تحقيق آثار حافزة وتجنب مزاحمة القطاع الخاص.

تحتضن السعودية اليوم ثلاثية ذهبية مهمة مكنتها من احتلال موقع متقدم على الخريطة الدولية، تشمل النفط الذي يعمل على تنويع الاقتصاد وزيادة الاستثمارات، المرأة التي تعمل المملكة على تمكينها من المشاركة الكاملة في جميع جوانب الحياة العامة وزيادة دورها في سوق العمل والمجتمع، والتحول الرقمي الذي يهدف إلى تطوير البنية التحتية للتكنولوجيا وتحسين الخدمات الحكومية وتعزيز الاستدامة الرقمية، بحيث نُفذ العديد من المبادرات والاستراتيجيات لتطوير القطاع التكنولوجي، بما في ذلك تعزيز الابتكار والريادة وتعزيز التعليم والتدريب في المجال التقني.

شارك المقال