أعباء النزوح السوري تستنزف موارد لبنان والتكلفة بالمليارات

هدى علاء الدين

عمّق النزوح السوري الذي بدأ في العام 2011 إلى لبنان، هرباً من الحرب وعدم الاستقرار، الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية، بحيث زاد من الضغوط على الموارد الاقتصادية والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية واشتدت المنافسة في سوق العمل ما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة بين اللبنانيين وتدني فرص حصولهم على الوظائف، بحيث قُدرت كلفة هذا النزوح وتبعاته على لبنان بحوالي 20 مليار دولار حينها، توزعت على الاقتصاد والخدمات الاجتماعية والصحة والتعليم والبطالة وغيرها.

ومع بدء الموجة الثانية من النزوح السوري، تغير الوضع الاقتصادي إلى حدّ جذري مقارنة بالموجة الأولى، بحيث لم يعد لبنان قادراً على استيعاب أي نازح جديد. فتدهور الاقتصاد منذ العام 2019 وانهيار العملة الوطنية وارتفاع التضخم وانهيار القطاع المصرفي وتراجع مستوى المعيشة وزيادة معدلات البطالة، ضاعفت من كلفة هذا النزوح وجعلت استيعاب المزيد من اللاجئين وتلبية احتياجاتهم عبئاً ثقيلاً لا يستطيع لبنان المنهار على الصعد كافة تحمله.

ما سبب موجة النزوح الجديدة؟

يعد الوضع الاقتصادي الصعب في سوريا أحد الأسباب الرئيسة التي تدفع السوريين للهجرة إلى لبنان، بحيث يعاني الكثير منهم من تدهور حاد في الظروف المعيشية، ما يجعل لبنان وجهة مشتركة لهم، إما على أمل الحصول على ما يفتقدونه في حياتهم أو استخدام بحر لبنان نقطة عبور للهروب إلى أوروبا وسط ازدياد عمل المهربين “على عينك يا تاجر”. فالأزمة الاقتصادية والنقدية هي واحدة من أصعب التحديات التي يواجهها السوريون بعدما انخفضت قيمة الليرة السورية بصورة كبيرة على مر السنوات القليلة الماضية مسجلة 13550 ليرة سورية مقابل الدولار الواحد، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الفقر وزيادة تكلفة المعيشة، فضلاً عن ارتفاع أسعار الوقود والسلع الأساسية والخدمات ما جعل الحياة في غاية الصعوبة. وفي الوقت الذي رفع فيه البنك المركزي السوري سعر الصرف الرسمي لتقليل فارق السعر بين السوق السوداء والسعر الرسمي، لا تزال هذه الاجراءات تواجه صعوبات جمة لا سيما وأن أكثر من 90 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر. كل هذه الصعوبات الاقتصادية أشعلت موجة جديدة من الاحتجاجات في السويداء، ما أثار مخاوف السوريين من عودة الاشتباكات وأعاد إلى الأذهان مشهدية العام 2011.

على الرغم من أن الأزمة الاقتصادية في لبنان تتشابه إلى حدّ كبير مع تلك الموجودة في سوريا، إلا أن السوريين وجدوا في لبنان ملاذاً آمناً لهم، فهم قادرون على إيجاد فرص العمل براتب يفوق بكثير ما يتقاضونه في سوريا، فضلاً عن حصولهم على بعض الخدمات من دون أي مقابل مادي، إلى جانب المساعدات المالية التي يتقاضونها من الأمم المتحدة، ليفرض هذا الواقع حالة من العنصرية بين الشعبين نظراً إلى اقتناع العديد من اللبنانيين بأن أزمة النزوح أسهمت بصورة مباشرة في تسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي. فمشاركة حوالي مليوني سوري موارد لبنان واستنزافها كان عبئاً ثقيلاً على لبنان الذي يقع على عاتق ساسته مسؤولية عدم إدارة هذا الملف بطريقة صحيحة منذ بداية الأزمة وسط انتشار عشوائي وغير منظم للاجئين على مساحة الوطن.

اليوم، ومع قرار حكومة تصريف الأعمال اتخاذ إجراءات جذرية لوقف هذا النزوح، والذي يعكس قلقاً مشروعاً بشأن تأثيره على لبنان، تشير التوقعات إلى أن الموجة الجديدة في حال ازدادت وتيرتها، سيكون لها تأثير أكثر تعقيداً وتفاقماً انطلاقاً من الوضع الاقتصادي والاجتماعي الراهن. وفي الوقت الذي يستعد فيه لبنان لتشكيل وفد وزاري لزيارة سوريا برئاسة وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، لمتابعة ملف عودة اللاجئين، اتهم وزير المهجرين عصام شرف الدين، المجتمع الدولي بالتواطؤ في هذا الملف، مشيراً إلى أن ضبط الحدود البرية السورية – اللبنانية أمر مستحيل بسبب عدم كفاية عديد الجيش لا سيما وأن لبنان يحتاج إلى 7 أضعاف العدد الحالي، مع الاشارة إلى أن البرلمان الأوروبي كان قد صوّت في تموز الماضي على بقاء السوريين في لبنان.

وعليه، تبقى أزمة النزوح السوري، مشكلة أكبر من قدرة لبنان على معالجتها لا سيما وأنها مشكلة سياسية بالدرجة الأولى تتعلق بالصراع المستمر في سوريا والتأثيرات السياسية والجيوسياسية المرتبطة به وبرغبة النظام السوري في عودتهم.

شارك المقال