بعد شهرين… منصوري في ميزان الفشل والنجاح

جورج حايك
جورج حايك

قد يكون باكراً الحكم على تجربة حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري، على الرغم من أنه مرّ شهران على تسلّمه مهامه، لكن باكورة سياساته المالية والاقتصادية والقرارات التي اتخذها، تعطي فكرة واضحة عن أدائه، وقد استجمع النقاط الايجابية بدءاً من عنصر الشفافية الذي بادر فيه مهامه من حيث العودة الى نشر وضعيات مدققة عن العملات الأجنبية والذهب لدى مصرف لبنان، وتعديل بيان الموجز نصف الشهري ليتلاءم مع معايير الشفافية للمصارف المركزية، وتشكيل لجنة لتعديل النظام المحاسبي تماشياً مع معايير المحاسبة الدولية.

يؤكد الخبير الاقتصادي باتريك مارديني أن “الحكم على أداء منصوري لا يزال باكراً، لكن لا بد من الاعتراف بأن الخطوة الأولى الايجابية كانت عبر قراره عدم اقراض الحكومة بالعملة اللبنانية ولا بالدولار. هذه خطوة متقدمة هدفها الزام الحكومة بإجراء اصلاحات، لكن لا نعرف إذا كان سيصمد على قراره أو يتراجع تحت ضغوط المسؤولين السياسيين، إلا أنه حتى اليوم نجح في ذلك. علماً أنه اشترط اصدار قانون يجيز الإقراض إذا كان لا بد من ذلك”.

ويرى مارديني أن هذا الأمر يؤدي إلى استقرار سعر صرف الدولار، “لأن أحد أهم أسباب ارتفاع سعر الصرف هو اقراض البنك المركزي للحكومة، ومن الأفضل أن تقوم حكومة تصريف الأعمال بترشيد نفقاتها في ظل انعدام مصادر التمويل”.

الخطوة الثانية الايجابية، برأي مارديني، كانت بالانتقال إلى إعتماد منصة “بلومبرغ” بدلاً من منصة “صيرفة”، لأن من المتوقع أن تكون أكثر شفافية في تحديد سعر الصرف وهوية المتداولين عبرها، عكس منصة “صيرفة” التي اعتمدها الحاكم السابق رياض سلامة وتم من خلالها تبديد كم هائل من دولارات المودعين على فئات من المضاربين المحظوظين.

إلا أن ثمة اقتصاديين لا يحبذون التداول عبر منصة “بلومبرغ” ويعتبرون أنها لا تلغي أسعار الصرف المتعددة، ولن تساهم في حل مشكلة انعدام الثقة التي يعاني منها القطاع المالي في لبنان. أما مارديني فلا يوافق على هذا التشخيص، ويشير إلى أن امكان التوحيد بين سعر الصرف العائم وسعر الصرف في السوق السوداء بات كبيراً، لأن الهوّة ضيقة، ولا تحتاج إلى جهد كبير.

وينتقل مارديني إلى الكلام عن التحديات التي تواجه منصوري قائلاً: “الخطر قد يأتي من عجز الموازنة واضطرار حاكم مصرف لبنان لتمويل هذا العجز، ما سيؤدي إلى ارتفاع سعر صرف الدولار على نحو دراماتيكي، وسيكون من المستحسن تجنّب ذلك، حرصاً على الاستقرار النقدي”.

ويعدّد مارديني التحديات المنتظرة وهي: أولاً، الضغط الذي يمارس من الحكومة على مصرف لبنان لتمويل النفقات. ثانياً، الضغط الذي قد يمارسه القطاع المصرفي لاعادة هيكلة المصارف. ثالثاً، المحافظة على الاحتياطي وعدم المسّ به.

وعن سياسة الدولرة، يقول مارديني: “انها مفيدة لكل قطاعات البلد، وأنا أرى أن من الأفضل إذا خرجنا من اعتماد الليرة اللبنانية نهائياً بإتجاه الدولرة الكاملة، ونحن بالفعل نعيش الدولرة”. وكثر من الاقتصاديين مثل مارديني مقتنعين بأن سياسة “الدولرة” تخفف التضخم وتحقق الاستقرار في الاقتصاد.

لا شك في أن شعارات منصوري ربما تكون جيدة، “وفي البداية يكون أداء الحاكم ايجابي، إلا أن العبرة في الاستمرارية”، على حد تعبير مارديني.

لكن مرجعاً مصرفياً مهماً نوّه باداء منصوري قائلاً: “للحق والإنصاف، ثبّت منصوري نجاحه حتى الآن، عبر ثلاث خطوات جبّارة في زمن سياسي واقتصادي صعب:

أولاً، حقّقت سياساته النقدية استقراراً في سعر صرف الليرة، بعدما كان الحديث عن ارتفاع ناري لسعر الدولار بعد نهاية عهد سلامة.

ثانياً، استطاع تأمين رواتب القطاع العام بالدولار، من دون أن يمسّ بأموال الاحتياطي، أي الايداعات، ويبدو أنه ماض في الممارسة ذاتها للشهر المقبل، لما لهذه الخطوة من تأثير على عدم اغراق السوق بالليرة اللبنانية وفقدانها المزيد من قيمتها، عدا عن الحفاظ على قيمة تلك الرواتب بدل خسارة أجزاء منها جراء عمليات الصرف في السوق السوداء. كما أن دفع تلك الرواتب بالدولار هو حماية اجتماعية لـ 400 ألف عائلة ستتقاضى على أساس سعر منصة صيرفة.

ثالثاً، أمّن حاجات المؤسسات العسكرية والأمنية، ما يعني منع كشف الأمن، الذي تحتاج قطاعاته الى سيولة مالية بالدولار، لشراء المحروقات وقطع صيانة الآليات، وأمور غذائية ولوجيستية ضرورية.

يكمن التحدي في نجاح منصوري أنه أجرى تلك الخطوات ضمن الأساليب التقليدية، بكلفة صفر، فلا حملت خزينة الدولة أعباء، ولا تمّت الاستعانة بأموال المودعين، التي يرفض الحاكم بالإنابة مد اليد اليها”.

لكن “الاستدامة” في ترسيخ تلك الخطوات، وتأمين تمويل الدولة يقعان على عاتق القوى السياسية، التي حثّها منصوري على اجراء اصلاحات فورية، باعتبار أنّ الوقت ليس مفتوحاً أمام اللبنانيين الذين يواجهون مخاطر جمّة.

شارك المقال