ماذا لو دخل لبنان المنهار حرباً جديدة؟

هدى علاء الدين

دمّرت الحرب الاسرائيلية في العام 2006 الاقتصاد اللبناني وأفشلت جهود الحكومة في تحقيق المزيد من الاستقرار المالي والاقتصادي، بعدما نجحت الحكومة آنذاك في تحقيق فائض أولي وتعزيز الاستقرار المالي والنقدي في النصف الأول من العام 2006، مسجلاً 660 مليون دولار بزيادة تجاوزت أربعة أضعاف الفائض الأولي الاجمالي المحقق خلال النصف الأول من العام 2005. حينها، كان لبنان يعوّل على موسم سياحي واعد من أجل رفع معدل نموه، لكن خسائر الحرب كانت جسيمة على الاقتصاد اللبناني والمالية العامة، إذ تخطت قيمتها الـ 7 مليارات دولار، منها 3.6 مليارات دولار كلفة مباشرة وذلك بسبب تدمير البنية التحتية من طرق وكهرباء وجسور، و1,6 دولار خسائر في المالية العامة على صعيد الايرادات والنفقات، وما تبقى من خسائر طالت الناتج المحلي وصلت الى 2,4 مليار دولار. أما الاستثمارات الخارجية والتي كانت تصل أرباحها إلى 4.8 مليار دولار، فكانت الأكثر تضرراً.

وعلى الرغم من أن القروض التي استخدمت من أجل إعادة الإعمار حصل عليها لبنان بفوائد متدنية جداً، إلا أن ذلك أسهم بشكل كبير في ازدياد قيمة الدين العام الذي شهد اتباع منهجية الاعتمادات من خارج الموازنة بسبب صعوبة التصويت على الموازنة. وقد أدت هذه السابقة التاريخية إلى تدمير المالية العامة وتدهور معظم المؤشرات الاقتصادية، بحيث أوصلت لبنان إلى 41 مليار دولار من الديون، ليرتفع الدين العام إلى 183 في المئة من الناتج المحلي وينخفض النمو الحقيقي إلى 1,6 في المئة، فضلاً عن تسجيل كلفة خدمة الدين العام نسبة 3,02 في المئة نهاية العام 2006.

اليوم، وبعد 17 عاماً من انتهاء حرب تموز، يعيش لبنان وضعاً مأساوياً يفوق بتداعياته وانعكاساته ما حصل خلال أيام الحرب في العام 2006. ومع انخفاض قيمة الليرة اللبنانية إلى أكثر من 90 في المئة من قيمتها السابقة، وتراجع الاحتياطي الالزامي إلى ما دون الـ 9 مليارات دولار، وارتفاع الدين العام إلى أكثر من 150 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي الذي جعل لبنان الدولة الأكثر مديونية في العالم، وارتفاع معدلات التضخم إلى 251,5 وما رافق ذلك من ارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، وزيادة معدل الفقر إلى أكثر من 80 في المئة، يبقى السؤال ماذا لو دخل لبنان المثقل بالأزمات الداخلية سياسياً واقتصادياً ومالياً دائرة الحرب من جديد؟

لا يختلف اثنان على أن خوض لبنان حرباً جديدة ستكون له نتائج كارثية على ما تبقى من الاقتصاد الوطني. فلبنان هذا البلد المستنزف، أضعف من أن يتحمل تكلفتها وسيجعل من الصعب عليه التعافي منها، اذ ان الموارد المالية الشحيحة التي تمتلكها الدولة لن تكون قادرة على تأمين أدنى الاحتياجات، فضلاً عن تعرّض العملة الوطنية للمزيد من الضغوط وبالتالي العودة إلى مستويات قياسية جديدة في السوق السوداء والمزيد من التراجع في القدرة الشرائية وما سينتج عن ذلك من ارتفاع في معدلات التضخم وزيادة أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية.

كما أن الضربات الاسرائيلية للبنى التحتية ستؤدي إلى توقف الامدادات للحصول على الغذاء والدواء والرغيف، فضلاً عن توقف النشاط الاقتصادي الذي بدأ بالتقاط أنفاسه مؤخراً، وإلى فقدان العديد من الوظائف الذي سينعكس حتماً ارتفاعاً في معدلي الفقر والبطالة، بالاضافة إلى توقف حركة الاستيراد مع استمرار لبنان في الاعتماد عليها لتأمين احتياجات مواطنيه من السلع الأساسية مثل الأغذية والأدوية والوقود والمواد الأولية، بحيث سيؤدي ذلك إلى نقص في تلبية الاحتياجات وزيادة في أسعار السلع التي ستشهد شحاً بسبب ازدياد الطلب عليها مقابل صعوبة تأمينها. كذلك سيخسر لبنان أي فرصة لتحقيق النمو الاقتصادي وسيتراجع ناتجه المحلي إلى المزيد من المستويات المتدنية بعد أن خسر 65 في المئة من نصف قيمته خلال سنوات الأزمة، ليكون بذلك توفير الرعاية الصحية للمصابين والجرحى أمراً في غاية الصعوبة.

وسيكون القطاع الخدماتي من أكثر القطاعات تضرراً، مع انتظار البلاد عودة قوية للمغتربين والسياح العرب والأجانب في عطلة نهاية العام. فلبنان يعتمد بصورة كبيرة على إيرادات السياحة وعودة المغتربين لتعزيز اقتصاده وتدفق العملة الأجنبية في السوق. وسيكون الوضع كارثياً في حال توقف حركة الملاحة الجوية لا سيما وأن الطيران الجوي يلعب دوراً أساسياً في عمليات التبادل التجاري وفي وصول المساعدات الانسانية التي سيكون لبنان بحاجة إليها، والأفراد إلى لبنان ومنه. أما القطاع المصرفي، فستشكل الحرب ضربة قاضية لمستقبله وهو الذي يحتاج إلى إعادة هيكلة ضرورية لإبعاد شبح الافلاس عنه، وستؤدي إلى فقدان اللبنانيين نهائياً أمل استعادة ودائعهم، فضلاً عن المعاناة التي سيواجهها القطاع الصحي، خصوصاً وأن الأزمة الاقتصادية الحالية أثقلت كاهل المستشفيات ولم تعد قادرة على تقديم الخدمات الطبية من دون مقابل وعلى استيعاب أعداد كبيرة من الجرحى والمصابين.

كل هذه التحديات الاقتصادية والسياحية والتحتية التي ستواجه لبنان في حال خاض غمار الحرب مع إسرائيل، ستترافق مع وضع سياسي صعب، فالفراغ في سدة الرئاسة والحكومة المشلولة وعجز مجلس النواب عن الانعقاد ستزيد من التعقيدات لناحية القرارات المصيرية التي سيكون لبنان الرسمي غير قادر على اتخاذها لناحية السلم والحرب. والأسوأ من هذا كله، أن لبنان في العام 2006 حصل على مساعدات مالية ضخمة من أجل إعادة الاعمار، وهو أمر من المستبعد الحصول عليه بعدما فشل خلال السنوات الأخيرة في إعادة بناء الثقة مع المجتمع العربي لا سيما دول الخليج التي كانت الداعم المالي الأكبر.

يفقد لبنان اليوم عنصر الصمود تجاه أي أزمة طارئة، فماذا لو اتخذت هذه الأزمة شكل حرب يُعرف كيف تبدأ لكن لا يُعرف متى وكيف تنتهي وبأية أثمان؟

شارك المقال