صراع الشرق الأوسط يُلهب الاقتصاد العالمي

سوليكا علاء الدين
جانب من آثار القصف الإسرائيلي على غزة (أسوشيتد)

مع دخول عملية “طوفان الأقصى” أسبوعها الثاني على التوالي، تتصاعد المخاوف من امكان تمدّد رقعة الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني وانعكاساته الكارثية على الاقتصاد العالمي المُنهك أساساً والغارق منذ سنوات في أزمات متشابكة ومعقّدة. فهو لا يزال يسير ببطء نحو خطى التعافي من جائحة وباء كورونا لا سيما اقتصادات الدول الصاعدة والنامية، كما أنّ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية ساهمت في عرقلة مسار هذا التعافي مع توجيهها ضربة موجعة الى الاقتصاد العالمي إذ كلّفته خسائر جمّة قاربت حوالي 1.3 تريليون دولار في العام 2022.

ودقّت المنظمات والهيئات الدولية ناقوس الخطر وأبدت خشيتها من مغبّة توسّع المواجهات بحيث أشار رئيس البنك الدولي أجاي بانغا، إلى أنّ الصراع القائم بين إسرائيل وغزة يُشكّل صدمة اقتصادية عالمية لا ضرورة لها، الأمر الذي سوف يُصعّب على البنوك المركزية تحقيق انخفاض سلس للتضخم في العديد من اقتصادات العالم. من جهته، أعلن صندوق النقد الدولي عن خفض توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في العام المقبل إلى 2.9 في المئة، بتراجع 0.1 نقطة مئوية عن توقعاته السابقة في تموز الماضي.

أما رئيسة منظمة التجارة العالمية نجوزي أوكونجو إيويالا فحذرت من أن الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين في غزة سوف يكون له تأثير كبير وفعلي على تدفقات التجارة العالمية الضعيفة إذا اتسع نطاقه في المنطقة. المنظمة خفّضت توقعاتها لنمو تجارة السلع العالمية هذا العام إلى النصف، وأشارت إلى أنّ حجم تجارة البضائع قد ينمو 0.8 في المئة فقط عام 2023، مقارنة مع تقديراتها في نيسان الماضي التي بلغت 1.7 في المئة. أما بالنسبة الى العام 2024، فأوضحت المنظمة أنّ نمو تجارة السلع قد يسجل 3.3 في المئة من دون حصول أي تغيير كبير على تقديراتها السابقة في نيسان الماضي التي بلغت 3.2 في المئة.

وفي السياق نفسه، حذّرت وكالة “بلومبرغ” من قدرة الصراع القائم على تعطيل الاقتصاد العالمي، ودفعه نحو الركود لا سيما في حال تحوّل الصراع إلى إقليمي وتورّط أطراف أخرى ودول جديدة فيه، إذ من شأن أي تصعيد إيصال أسعار النفط إلى 150 دولاراً للبرميل الواحد، مع انخفاض النمو العالمي إلى 1.7 في المئة بدل 2.7 في المئة وهو الركود الذي يقتطع ما يُقارب تريليون دولار من الناتج العالمي. كما من شأن صدمة النفط أن تعرقل الجهود العالمية للجم ارتفاع الأسعار، ما يترك معدل التضخم العالمي عند 6.7 في المئة في العام 2024.

التقرير الصادر عن الوكالة لفت إلى وجود خطر حقيقي على الاقتصاد العالمي، مع استعداد الجيش الاسرائيلي لتنفيذ هجوم بري على قطاع غزة رداً على عملية “طوفان الأقصى” السبت الماضي. كما أشار إلى أنّ تنامي الصراع في الشرق الأوسط من الممكن أن يتسبب بهزات عبر العالم؛ على اعتبار أنّ المنطقة تشكّل مورداً حيوياً للطاقة وممراً رئيساً للنفط. فالاقتصاد العالمي لا يزال ضعيفاً حتى اليوم، ويجهد للتعافي من نوبة التضخم التي تفاقمت بسبب الحرب في أوكرانيا، إذ إنّ نشوب أي حرب أخرى في منطقة منتجة للطاقة قد يؤدي إلى إشعال التضخم مجدداً. وأتى التقرير على ذكر الحرب العربية – الاسرائيلية التي اندلعت عام 1973 وأدّت إلى حظر النفط، فتسبّبت بسنوات من الركود التضخمي في الاقتصادات الصناعية.

وفي هذا السياق، قامت “بلومبرغ” بدرس التأثيرات المحتملة على النمو العالمي والتضخم في ظل 3 سيناريوهات مختلفة، غير أنّ هذه التأثيرات تبقى رهينة مجريات الحرب خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. السيناريو الأوّل يقضي بأن تبقى الحرب محصورة بين غزة وإسرائيل وفي هذه الحالة سيكون تأثير الصراع في أسعار النفط والاقتصاد العالمي ضعيفاً، وتقدّر “بلومبرغ” زيادة تتراوح بين 3 إلى 4 دولارات في أسعار النفط. السيناريو الثاني يتمثّل في امتداد الصراع إلى الدول المجاورة مثل لبنان وسوريا وتحوله إلى حرب بالوكالة بين إيران واسرائيل وبالتالي سوف تزيد المخاطر وترتفع التكلفة الاقتصادية، ما سيؤدي على الأرجح إلى ارتفاع أسعار النفط، إذ إنّ أي تحرك مُشابه لحرب تموز 2006 من المتوقع أن يزيد السعر بنسبة 10 في المئة إلى نحو 94 دولار. أما السيناريو الثالث والأخير فينطوي على صراع مباشر بين إيران وإسرائيل وهو سيناريو خطير لكنه منخفض الاحتمال. كما يُمكن أن يكون سبباً في حدوث ركود عالمي، ومن شأنه رفع أسعار النفط بصورة كبيرة وتوجيه ضربة قوية للنمو، فضلاً عن دفع التضخم إلى ارتفاعات كبيرة.

وعلى الرغم من اختلاف هذه السيناريوهات، الا أنّ النتيجة تبقى نفسها وتُنذر بمزيد من ارتفاع أسعار النفط، وارتفاع معدلات التضخم، وتباطؤ النمو. ويختلف حجم التأثير من إقليمي إلى عالمي بناءً على شكل الصراع وتوسّع نطاقه.

على وقع ما ستؤول إليه أحداث الأيام المقبلة من تطورات وتغيرات أمنية، ينزلق الاقتصاد العالمي نحو المجهول مع تفاقم حالة اليقين واللااستقرار وارتفاع منسوب القلق والتخوف من التصعيد ودخول أطراف جديدة على خط الاشتباكات. فالصراع الدائر حالياً شكّل صدمة مفاجئة للاقتصاد العالمي الذي لا يزال يواجه ارتفاع التضخم بعد جائحة كورونا بالتوازي مع تداعيات استمرار رفع أسعار الفائدة من البنوك المركزية لمكافحة معدّلاته التصاعدية، لتبقى الحرب بشتى أنواعها وأشكالها وأطرافها عائقاً أساسياً ومعضلة رئيسة أمام أي فرصة حقيقية للمضي قُدماً في مسار التعافي من أجل تعزيز الاقتصاد العالمي وجعله قادراً على مقاومة الصدمات وتحقيق أهداف النمو والتنمية الشاملة.

شارك المقال