القطاع غير النفطي… قوّة دافعة للنمو الاقتصادي الاماراتي

سوليكا علاء الدين

تُعتبر الامارات العربية المتحدة من بين الدول الأكثر توجّهاً إلى تنويع اقتصاداتها ومصادر دخلها إذ أصبحت أقل اعتماداً على عائدات النفط والطاقة غير المتجددة، مقابل تركيزها على القطاعات القائمة على المعرفة من خلال الاستثمار في السياحة والصناعة والتكنولوجيا. وخلال الأشهر الستة الأولى من العام 2023، ارتفع نمو القطاع غير النفطي، الذي يُمثّل أكثر من 70 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للدولة، بنحو 5.9 في المئة، مُتجاوزاً بصورة كبيرة معدل النمو الاجمالي. وكان البنك المركزي الاماراتي قد توقّع نمو اقتصاد البلاد بنسبة 3.3 في المئة في 2023 وأبقى على توقعاته للنمو للعام المقبل عند 4.3 في المئة مدعوماً بنمو القطاعين النفطي وغير النفطي.

من جهة أخرى، أكّدت منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، استمرار النشاط الاقتصادي غير النفطي في دولة الامارات في تحقيق أداء قوي من المتوقع استمراره في العام 2024. وتوقعت أن يستمر الاتجاه التصاعدي في الأنشطة غير النفطية في دعم مزيد من النمو الاقتصادي خلال العام المقبل. وأشارت “أوبك” الى أنّ فرص النمو في الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي في الإمارات ستستمر في الازدياد، بدعم من تحسن ثقة الأعمال والاصلاحات الحكومية. وقد سجّل مؤشر “ستاندرد آند بورز غلوبال” لمديري المشتريات في الامارات، إرتفاعاً بمقدار نقطة واحدة من 56.7 نقطة في أيلول إلى مستوى 57.7 نقطة في تشرين الأول الماضي، وهو مستوى أعلى من 50.0 نقطة التي تًشكّل الفاصل بين النشاط والركود، كما أنّه أعلى مستوى منذ حزيران الـ2019، وهو ما يعكس التطور القوي في أعمال القطاع. وأدّى ارتفاع مؤشر الطلبيات الجديدة إلى قفزة في أنشطة الأعمال غير النفطية في الامارات، بوتيرة هي الأسرع منذ أربع سنوات.

كما أصدر البنك الكويتي الوطني أحدث تقاريره الاقتصادية والذي حمل عنوان “آفاق الاقتصاد الكلي: الامارات العربية المتحدة”، وقال انّه وعلى الرغم من تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد غير النفطي مقارنة بعام 2023، فمن المتوقع أن يبلغ النمو 4 في المئة العام المقبل على خلفية الافادة من استمرار ارتفاع أسعار النفط. ولفت إلى أنّه بعد النمو الاقتصادي القوي المُسجّل في العام 2022، من المتوقع أن تتراجع وتيرة هذا النمو خلال العامين 2023 – 2024 على خلفية انخفاض إنتاج النفط، وعودة النمو غير النفطي إلى مستوياته الطبيعية، إلى جانب تشديد الأوضاع المالية، وتباطؤ وتيرة الاقتصاد العالمي.

غير أنّ التقرير توقّع أن يبقى النمو غير النفطي قوياً في ظل تنفيذ البرنامج الحكومي الداعم للنمو والاستثمارات في إطار مساعي الوصول إلى أهداف صافي الانبعاثات الصفرية. وفي ظل اقتراب موعد انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP 28) أواخر العام 2023، قامت الحكومة بتأكيد تعهدها بخفض الانبعاثات الكربونية بنسبة 40 في المئة بحلول العام 2030 (مقابل 31 في المئة في السابق)، في حين قامت شركة “أدنوك للطاقة” التابعة للدولة بتسريع خطتها لخفض صافي الانبعاثات الكربونية وخفض المدة المطلوبة للوصول إلى الحياد الكربوني بخمس سنوات، وتحقيق هذا الهدف في العام 2045، ما يفسح المجال أمام توافر المزيد من فرص للقطاع الخاص وتمكين القطاع غير النفطي من دفع وتيرة النمو المستدام على المدى الطويل.

أما على المدى القريب، فقد ينخفض إنتاج القطاع النفطي هذا العام بنسبة 1.7 في المئة بعد التخفيضات الطوعية لحصص الإنتاج في أيار. إلا أن تقليص الأوبك وحلفائها للتخفيضات في أوائل العام 2024 والمراجعة المقررة لرفع الحصص بمقدار 200 ألف برميل يومياً بنسبة 2.5 في المئة في العام 2024 إلى 3.2 ملايين برميل يومياً قد يؤدي إلى تسجيل نمو بنسبة 2.5 في المئة في العام 2024. كما أنّ من المقرر – وفق التقرير – أن تساهم خطط زيادة الطاقة الانتاجية للنفط إلى 5 ملايين برميل يومياً بحلول العام 2027 (من 4.65 في الوقت الحالي) في دعم النمو على المديين المتوسط إلى الطويل، حتى في ظل تسريع وتيرة تنفيذ أهداف الأجندة الوطنية الخضراء.

من جهة أخرى، شهد القطاع غير النفطي نمواً قوياً في النصف الأول من العام 2023 بنسبة 9.2 في المئة و3.2 في المئة على أساس سنوي في أبوظبي ودبي على التوالي، وكانت قطاعات تجارة التجزئة والضيافة والتمويل من أبرز المحركات الرئيسة الداعمة لهذا النمو. كما قد يكون النمو غير النفطي في النصف الثاني من العام 2023 قد تراجع في ظل تزايد تأثيرات ارتفاع أسعار الفائدة على الرغم من أنه لا يزال يتلقى دعماً من تعافي قطاع السياحة بعد الجائحة وتحسن قراءات مؤشر مديري المشتريات التي بلغت 56.4 في المتوسط في الفترة الممتدة بين تموز وتشرين الأول وظلت في منطقة التوسع متخطية المعايير التاريخية.

التقرير لفت إلى أنّ النمو غير النفطي لعام 2023 قد يصل إلى 5.2 في المئة بعد النمو القوي في النصف الأول من العام، ويتباطأ أكثر في العام 2024 على خلفية ارتفاع تكاليف التمويل، ونمو الائتمان بوتيرة معتدلة، وضعف النشاط العقاري، وتباطؤ النمو العالمي. إلّا أن التوقعات لا تزال قوية بدعم من ارتفاع أسعار النفط ومرونة النشاط الاقتصادي في منطقة الخليج، والجهود الحكومية لتحقيق الأهداف الاقتصادية والتي من المقرر أن تساهم في الحفاظ على زخم الاصلاحات وتعزيز الأسس الاقتصادية على المدى المتوسط.

أما في ما يتعلّق بالتضخم والنشاط العقاري، فقد أشار التقرير إلى إمكان تباطؤ وتيرة نمو التضخم إلى 3.2 في المئة في المتوسط في العام 2023 بعد أن وصل إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ العام 2008 عند 4.8 في المئة في العام 2022 وذلك على خلفية ارتفاع أسعار الوقود والترفيه. وخلال العام المقبل، من المتوقع أن يتراجع التضخم إلى 2.8 في المئة في ظل تباطؤ وتيرة النمو غير النفطي وتراجع أسعار المواد الغذائية، ما يساهم في تخفيف تأثير الارتفاع المحدود لأسعار الوقود. كما شكلت خدمات الاسكان (35 في المئة من سلة مؤشر أسعار المستهلكين)، والتي تشكل معظمها الايجارات، ضغوطاً تصاعدية على التضخم هذا العام (+6.1 في المئة على أساس سنوي في أيلول في دبي)، إلا أن هناك بعض المؤشرات التي تدل على أن سوق الايجارات بدأ يهدأ بعد النمو القوي الذي شهده.

كما يبدو أيضاً أن طفرة مبيعات العقارات السكنية في دبي على مدار العامين الماضيين بدأت تتباطأ (نمو المبيعات بنسبة +15 في المئة على أساس سنوي في تشرين الأول مقابل 65 في المئة في كانون الأول 2022)، متأثرة بارتفاع التقويمات ورفع أسعار الفائدة وقلة شراء الأجانب مقارنة بالعام الماضي. كما أشارت التوقعات الحالية الأساسية إلى استمرار تراجع نشاط السوق في العام 2024، واقتراب الطفرة من نهايتها. وبما أنّ انتعاش السوق في الآونة الأخيرة لم يكن مدفوعاً بزيادة معدلات الاقتراض بوتيرة كبيرة، ونظراً إلى توقع نمو الاقتصاد غير النفطي بوتيرة قوية العام المقبل، من المتوقع أن تكون التأثيرات السلبية المترتبة على تلاشي الطفرة العقارية محدودة.

وقد حقق المركز المالي فائضاً بنسبة 4.8 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في النصف الأول من العام 2023 على خلفية انخفاض الايرادات نتيجة لانخفاض أسعار النفط وارتفاع وتيرة النفقات. ويعزى ارتفاع النفقات إلى زيادة قيمة مخصصات الرعاية الاجتماعية ودعم الأسر ذات الدخل المنخفض بمعدل الضعف تقريباً، بما في ذلك المساعدات المتعلقة بتضخم أسعار المواد الغذائية والطاقة.

وبالنسبة الى العام 2023 بأكمله، أشارت التوقعات إلى تسجيل فائض أعلى قليلاً بنسبة 5.1 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي، وذلك نظراً الى أن ارتفاع أسعار النفط في النصف الثاني من العام وتطبيق ضريبة دخل الشركات تدريجياً بنسبة 9 في المئة اعتباراً من منتصف العام 2023 سوف يساهم في تعزيز الايرادات، في حين قد تشهد النفقات تباطؤاً معتدلاً على أساس موسمي (+ 6.4 في المئة). ومن المتوقع أيضاً تسجيل نمو بنسبة 6 في المئة في النفقات الموحدة لعام 2024 وتسجيل معدل أقل لنمو الايرادات، ما يؤدي إلى تسجيل فائض بنسبة 4.4 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.

التقرير خلص إلى وجود تحديات رئيسة تتمثّل في انخفاض أسعار النفط، وتباطؤ النمو العالمي ما ينعكس على التجارة والاستثمارات الأجنبية في الامارات، بالاضافة إلى انخفاض سوق العقارات بوتيرة أكثر حدة من المتوقع، وتزايد التوترات الجيوسياسية في المنطقة ما قد يؤثر على معنويات المستثمرين ويعوق جهود جذب رؤوس الأموال والمضي قدماً في الخطط التنموية الطموحة. وعلى الرغم من ذلك، أشارت التوقعات عموماً إلى رؤية اقتصادية إيجابية لدولة الامارات في ظل احتدام المنافسة على المستوى الاقليمي، إذ قد تساهم في تعزيز هذه النظرة المستقبلية عوامل عديدة أبرزها ارتفاع أسعار النفط، وتسارع وتيرة إنتاج النفط، والقدرة على الصمود بصورة أكبر من المتوقع في مواجهة تباطؤ النمو العالمي.

شارك المقال