“كوب 28” يجمع العالم في دبي… خسائر متبادلة بين المناخ والإقتصاد

سوليكا علاء الدين

ينطلق اليوم مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP28) المنعقد في مدينة دبي الاماراتية طيلة الفترة الممتدة من 30 تشرين الثاني وحتى 12 كانون الأول، بمشاركة البلدان التي تتطلع إلى تحقيق التوازن بين هدف اتفاق باريس (الحد من الارتفاع الطويل الأجل في درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة) والمخاوف المتعلقة بأمن الطاقة. المؤتمر الذي يعدّ الحدث الدولي الأكبر والأهم في العام 2023، يحظى بمتابعة واسعة من أرجاء العالم كافة، حيث يجمع أكثر من 70 ألف شخص، بمن فيهم رؤساء دول، وقادة، وصنّاع قرار، وآلاف المنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص والشركات والشباب والجهات المعنية، وغيرهم من المهتمين بقضايا المناخ.

المؤتمر المُنعقد على وقع تسارع وتيرة الظواهر المناخية المتطرفة وحدتها، يهدف إلى الاتفاق على استراتيجيات وأهداف فاعلة لخفض الانبعاثات الكربونية والحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وإصلاح الأضرار الاقتصادية والبيئية الناجمة عن تغير المناخ، إذ تُعتبر هذه القضية من القضايا الأكثر تأثيراً على الاقتصاد العالمي. وقبيل انطلاق فعاليات المؤتمر، حذّرت وكالة “ستاندرد آند بورز العالمية” للتصنيفات الائتمانية من خسارة ما يصل إلى 4.4 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي سنوياً بسبب الآثار المادية لتغير المناخ في غياب تدابير التكيف، وذلك في حال ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى ما هو أبعد من درجتين مئويتين في حلول العام 2050.

الدراسة التي حملت عنوان ” الناتج المحلي الاجمالي المفقود: الآثار المحتملة للمخاطر المناخية الطبيعية”، أشارت إلى أنّ الخسائر المؤمّن عليها الناجمة عن الكوارث الطبيعية شهدت نمواً سنوياً متوسطاً تراوح بين 5 و7 في المئة في الفترة المتدة من 1992 إلى 2022، حيث شكلت الأحداث المناخية الأكثر حدة الجزء الأكبر من الخسائر المؤمّن عليها وذلك استناداً الى شركة “Swiss Re”. وفي حال لم تعزز جهود التخفيف من الكوارث، من المرجح أن يرتفع عدد الكوارث الطبيعية بنسبة 40 في المئة عما كانت عليه في العام 2015، ليصل إلى 250 حدثاً في السنة بحلول العام 2030، وفقاً لتقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث في العام 2022.

الوكالة أوضحت أنّ التأثيرات ستكون غير متجانسة، لافتة إلى أنّ البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط هي الأكثر عرضة للخطر، والأقل استعداداً للتكيف، وتتطلّب أكبر قدر من الاستثمار من أجل بناء القدرة على مواجهة المخاطر المناخية المادية. وسوف يعيش نحو نصف سكان العالم في مناطق شديدة التعرض لتغير المناخ بحلول العام 2050 (أي ضعف ما هو عليه اليوم)، ما يعزز الحاجة إلى التكيف، وذلك بالعودة إلى التقرير الصادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في العام 2022.

وأضافت: انّ فجوة التكيف آخذة في الاتساع، نظراً الى بطء التقدم في مجال الاستعداد، وتشديد شروط التمويل. إذ قد يصبح تمويل تكاليف التكيف المتزايدة مع تفاقم تأثيرات المخاطر المناخية أكثر صعوبة في بيئة ترتفع فيها أسعار الفائدة، ما يضيف عقبة أخرى أمام تنفيذ التكيف في البلدان. وتتراوح فجوة تمويل التكيف بين 194 مليار دولار و366 مليار دولار سنوياً، أو 0.6 في المئة إلى 1.0 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي للبلدان النامية، وفقاً لما أفاد به برنامج الأمم المتحدة للبيئة (2023). ومع أخذ هذا في الاعتبار، فإن التكيف سوف يصبح على القدر نفسه من الأهمية مثل تمويل التحول المناخي من حيث حماية الثروات والأرواح على مدى العقود المقبلة.

من جهة ثانية، كان المنتدى الاقتصادي العالمي “World Economic Forum” قد أشار إلى أنّ ارتفاع درجات الحرارة بوتيرة كبيرة يهدد فرص العيش لنحو نصف مليار نسمة في بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما لفت إلى وجود مؤشرات ترجح أن ترتفع درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 4 درجات مئوية بحلول العام 2050. وأوضح التقرير الذي أعدّ بالتعاون مع شركة “Bain & Company” أنّ درجات الحرارة في المنطقة ترتفع بمعدل يبلغ ضعف المتوسط العالمي، ما يهدد سبل الحياة لنحو 575 مليون شخص يعيشون في المنطقة بسبب الآثار السلبية على قطاع الزراعة الناجمة عن الصدمات المناخية وفترات الجفاف الطويلة.

كما لفت إلى أن حكومات دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعهدت خلال الفترة الماضية بخفض نحو 60 بالمئة من الانبعاثات في المنطقة إلى أن تصل تدريجياً إلى صفر انبعاثات كربونية، مُشيراً إلى تقديمه خريطة طريق مصممة وفقاً للخصائص والاحتياجات الفريدة لكل دول المنطقة سواء من دول الخليج أو غيرها.

ومن أجل حماية النمو الاقتصادي من التأثر، قال التقرير إن على دول الخليج خصوصاً أن تستخدم حلول التكنولوجيا التي من شأنها أن تقلل من الانبعاثات في القطاعات الأكثر تحدياً لمسار التحول في مجال الطاقة، بالاضافة إلى إعطاء الأولوية لاستخدام الطاقة المتجددة وإلغاء الاعتماد على الوقود الأحفوري في توليد الطاقة، بحيث من المتوقع أن ترتفع انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون العالمية الناجمة بصورة رئيسة عن حرق الوقود الأحفوري بنحو واحد في المئة عام 2023، الأمر الذي سوف يؤدي إلى بلوغ هذه الغازات المسبّبة للاحترار المناخي مستوىً قياسياً. وأعلن المنتدى عن الحاجة الملحة إلى استثمارات بقيمة 13.5 تريليون دولار بحلول العام 2050، من أجل الانتقال إلى مستقبل مُستدام وخال من الانبعاثات الكربونية، لا سيما في قطاعات الانتاج والطاقة والنقل. وتمثّل هذه الاستثمارات متوسط تكاليف توليد الطاقة النظيفة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح البحرية والبرية والطاقة النووية والحرارية الأرضية ونقل الهيدروجين النظيف، فضلاً عن تكاليف التخزين.

تتفاقم فاتورة خسائر الاقتصاد العالمي بسبب أزمة تغير المناخ، بحيث تتسبب العوامل المناخية المتطرفة بتضرّر القطاعات الاقتصادية المختلفة، إذ من شأن هذه الخسائر الاقتصادية أن تؤدي إلى تفاقم مشكلات الفقر وعدم المساواة، وكذلك تقويض جهود التنمية المستدامة. من هنا، لا بد من العمل الدائم على توحيد الجهود العالمية وإعادة تعهّد جميع الدول بالالتزام بـ”بروتوكول كيوتو” القاضي بتخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، بالإضافة إلى مراجعة التزاماتها وتوفير التمويل المناخي الضروري لا سيما لاقتصادات الدول النامية لمساعدتها على التخفيف من آثار تغير المناخ وتعزيز مناعتها وقدرتها على التكيف، فضلاً عن زيادة الاستثمارات الخضراء طويلة الأجل وتحسين المرونة المناخية؛ وذلك من أجل إنقاذ كوكب الأرض والحفاظ عليه للأجيال القادمة.

شارك المقال