قناة السويس تختنق… وهجمات البحر الأحمر تُهدد التجارة العالمية

هدى علاء الدين

أدت هجمات الحوثيين المتزايدة على الشحن البحري في البحر الأحمر إلى أزمة بحرية خطيرة باتت تهدد الاقتصاد العالمي بصورة مباشرة. فمنذ بدء الحرب على قطاع غزة استهدفت الجماعة المسلحة سفن الشحن التجارية بالطائرات من دون طيار والصواريخ، ما أجبر شركات النقل البحري الكبرى على تغيير مساراتها.

وكان للهجوم الذي وقع الأسبوع الماضي على سفينة “ميرسك جبل طارق” وقرار Maersk بإيقاف رحلات البحر الأحمر مؤقتاً تأثير متتالٍ على الشحن بحيث أعلنت العديد من شركات الشحن الكبرى عن تعليق رحلاتها في البحر الأحمر مثل BP، وCMA CGM، وEquinor، وEuronav، وEvergreen، وFrontline، وHapag-Lloyd، وMaersk، وMSC، وOOCL، وYang Ming Marine Transport إما عن إيقاف الشحن مؤقتاً عبر البحر الأحمر أو إعادة توجيه السفن بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، ما يعني أن البضائع التي كانت تسافر عبر البحر الأحمر ستضطر الآن إلى اتخاذ طرق أطول مثل الإبحار حول رأس الرجاء الصالح. وبحسب هيئة قناة السويس المصرية، فقد غيّرت 55 سفينة مسارها عبر رأس الرجاء الصالح منذ 19 تشرين الثاني، بينما عبرت 2128 سفينة القناة في الفترة نفسها.

وعقب هذه الهجمات، وسّع سوق التأمين البحري في لندن منطقة المخاطر العالية في البحر الأحمر، بحيث قامت اللجنة الحربية المشتركة بتوسيع المنطقة من 15 درجة شمالاً إلى 18 درجة شمالاً، ما أثر على أقساط التأمين. ويتوقع أصحاب المصلحة في صناعة الشحن البحري فترات زمنية أطول، وزيادات محتملة في أسعار الشحن، وتعطل سلاسل التوريد.

هذا الواقع المستجد سلّط الضوء على ضعف سلاسل التوريد العالمية وعلى أهمية قناة السويس للتجارة العالمية. 

ما أهمية قناة السويس؟

تُعدّ قناة السويس أسرع طريق بحري بين آسيا وأوروبا ولها أهمية خاصة في نقل النفط والغاز الطبيعي المسال والبضائع المصنعة. فهي تنقل حوالي 12 في المئة من التجارة العالمية و30 في المئة من حركة الحاويات العالمية، وتنقل بضائع تزيد قيمتها عن تريليون دولار أميركي سنوياً. وهذا ما يجعلها أحد أهم الشرايين التجارية وأكثرها ازدحاماً في العالم، ما يشير إلى أن منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، ومصر على وجه الخصوص، تشكل حلقة وصل استراتيجية للتجارة العالمية.

وفي المتوسط، تعبر القناة يومياً 50 سفينة تحمل ما بين 3 إلى 9 مليارات دولار من البضائع. وفي العام 2019، تم شحن أكثر من مليار طن من البضائع عبر القناة أي أربعة أضعاف الحمولة التي عبرت قناة بنما خلال الفترة نفسها.

كما أن موقع القناة يجعلها مركزاً إقليمياً رئيساً لشحن النفط والمواد الهيدروكربونية الأخرى، فهو يتيح نقل ما يقدر بنحو 7-10 في المئة من النفط العالمي و8 في المئة من الغاز الطبيعي المسال. ووفقاً لشركة تحليلات الشحن Vortexa، تم شحن حوالي تسعة ملايين برميل من النفط يومياً عبر قناة السويس في النصف الأول من العام 2023. وبحسب المحللين في شركةS&P Global Market Intelligence، فإن ما يقارب من 15 في المئة من البضائع المستوردة إلى أوروبا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا تم شحنها من آسيا والخليج عن طريق البحر. ويشمل ذلك 21.5 في المئة من النفط المكرر وأكثر من 13 في المئة من النفط الخام.

ولا يقتصر دور قناة السويس على نقل النفط فحسب، بل تحمل سفن الحاويات فيها جميع أنواع السلع الاستهلاكية في المتاجر، مثل أجهزة التلفزيون والملابس والأحذية والمعدات الرياضية. ونظراً الى أهمية القناة في سلاسل التوريد العالمية، فإن أي تعطل فيها قد يؤدي إلى عواقب وخيمة. ولهذا السبب، تلعب القناة دوراً محورياً في زيادة كفاءة سلاسل التوريد العالمية، بحيث تساعد على تقليل تكاليف الشحن عن طريق تقصير مدة رحلة البضائع بين آسيا وأوروبا، كما تقلل من مخاطر تعطل سلاسل التوريد.

كيف تؤثر الهجمات على الاقتصاد العالمي؟

مرّ الاقتصاد العالمي بعامين صعبين، اذ أدى التضخم وارتفاع أسعار الفائدة إلى إثارة أزمة تكلفة المعيشة في العديد من البلدان. وفي الوقت نفسه، اضطر مشغلو قناة بنما، وهي ممر شحن رئيس آخر، إلى تقليل حركة المرور عبر الممر بسبب الجفاف الذي طال أمده في البلاد، ما أدى أيضاً إلى تعطيل الشحن العالمي.

واليوم، تدفع الهجمات في البحر الأحمر شركات الشحن إلى تجنبه، الأمر الذي يمنع الوصول إلى قناة السويس. وسوف تضطر السفن التي تم تحويلها من القناة إلى الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، حيث تؤدي هذه الرحلة الأطول إلى زيادة تكاليف الوقود، وتقليل كفاءة الشحن، ورفع أسعار السلع المستوردة، والتي تشمل الشحنات المهمة من الحبوب من آسيا والنفط من الشرق الأوسط.

ومن المتوقع أن يتسبب تعطل قناة السويس في تأخيرات كبيرة في سلاسل التوريد العالمية، خصوصاً بالنسبة الى وصول السلع الاستهلاكية إلى المتاجر لمدة تصل إلى 10 أيام، بحيث ستضطر سفن الحاويات إلى اتخاذ طريق رأس الرجاء الصالح الأطول بنحو 3500 ميل بحري. وستؤدي المسافة الاضافية التي تضطر السفن إلى قطعها إلى ارتفاع تكاليف الشحن بصورة كبيرة والتي يُمكن للشركات نقلها إلى العملاء، وقد ارتفعت أسعار الشحن بالفعل بنسبة 4 في المئة في الأسبوع الماضي. وهناك أيضاً مخاوف من أن يؤدي الاضطراب إلى ارتفاع أسعار النفط الذي يواصل مكاسبه مسجلاً 80.25 دولار للبرميل.

ما البديل عن قناة السويس؟

أفادت دراسة أجرتها شركة Allianz، إحدى أكبر شركات التأمين في العالم، في الفترة ما بين 23 و29 آذار، بأن كل يوم تظل فيه قناة السويس مغلقة يمكن أن يؤدي إلى انخفاض نمو التجارة العالمية السنوي بنسبة 0.2 إلى 0.4 في المئة، ما يكلف اقتصادات العالم ما بين 6 إلى 10 مليارات دولار أميركي.

حالياً، لا توجد بدائل مناسبة لقناة السويس، باستثناء الإبحار حول رأس الرجاء الصالح، حيث يتطلب مسافة إضافية تبلغ 9000 كيلومتر، أو ما بين 6 إلى 14 يوماً إضافياً من الرحلة، اعتماداً على نوع السفينة والبضائع المحملة عليها. في المقابل، يستغرق عبور قناة السويس من البداية إلى النهاية حوالي 13-15 ساعة فقط.

ومع استمرار الهجمات، تستعد الشركات لارتفاعات كبيرة في تكاليف الشحن من أوروبا واليها. فقد ظلت أسعار نقل الحاويات مستقرة نسبياً حتى الآن على هذا الممر البحري الحيوي الذي يربط بين أوروبا وآسيا. ومع ذلك، فقد ارتفعت أسعار التأمين البحري التي يتعين على المصدرين والمستوردين هنا دفعها مقابل شحناتهم الأوروبية.

تفرض أزمة البحر الأحمر ضغوطاً على سلاسل التوريد العالمية، ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن وتأخير وصول البضائع إلى الأسواق. ومع وجود عوامل أخرى ضاغطة مثل جفاف قناة بنما، والتسابق على نقل البضائع قبل إغلاق المصانع الصينية، والرسوم الاضافية لحالات الطوارئ، من المتوقع أن تستمر هذه العوامل في التأثير على الاقتصاد العالمي، الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع وتفاقم الأزمة، خصوصاً في حالة عدم توافر السفن والحاويات وغيرها من المعدات اللازمة لتغيير مسار البضائع إلى طرق وموانئ بديلة.

شارك المقال