ترسم دولة الامارات العربية المتحدة ملامح رؤيتها الطموحة بحيث تتطلّع الى أن تكون رائدة عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول العام 2031، وذلك انسجاماً مع أهداف “مئوية الامارات 2071″، التي تهدف إلى بناء اقتصاد معرفي مُزدهر، وتوفير فرص اقتصادية وتعليمية واجتماعية، مع تحقيق قفزة نوعية في النمو الاقتصادي تساهم في إضافة 352 مليار درهم إلى الناتج المحلي الاجمالي.
وبالتزامن مع النمو المتواصل في الامارات، سوف يشهد سوق الذكاء الاصطناعي في البلاد طفرة غير مسبوقة خلال السنوات الثماني المقبلة. وبحسب دراسة صادرة عن شركة “أرشيف ماركت ريسيرتش”، من المتوقع أن يبلغ حجم السوق 66.70 مليار دولار بحلول العام 2032، مسجلاً نمواً سنوياً مركباً قدره 43.9 في المئة، مقارنة بـ 5.22 مليارات دولار في العام 2023، ما يعكس التوجه الاستراتيجي للدولة نحو تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي ودفع عجلة التحول الرقمي.
وفي دراسة عالمية حديثة أجرتها شركة “آي إف إس”، للبرمجيات السحابية المؤسسية وبرمجيات الذكاء الاصطناعي (IFS)، احتلّت الامارات مكانة متقدمة على الصعيد العالمي في تبني الذكاء الاصطناعي، بحيث جاءت في المركز السادس متفوقة على العديد من الاقتصادات المتقدمة. ويعود ذلك إلى الاستثمارات الحكومية الضخمة في هذا المجال والاهتمام المتزايد من الشركات والمؤسسات.
وأشارت الدراسة التي جاءت تحت عنوان “الذكاء الاصطناعي في القطاع الصناعي: الريادة الجديدة للإنتاجية والابتكار والمنافسة”، إلى أن الشركات التي تنظر إلى الذكاء الاصطناعي بعين التفاؤل هي الأكثر قدرة على الافادة منه. كما كشفت عن حماس كبير من الشركات المتوسطة الحجم تجاه هذه التقنية لا سيما تلك التي تحقق إيرادات تتراوح بين 200 و500 مليون دولار، إذ تكون أشدّ حماساً لتبني الذكاء الاصطناعي وتطوير استراتيجيات متقدمة. كما وجدت أن التفاؤل حيال الذكاء الاصطناعي هو مؤشر واضح على مدى نضج استراتيجياته. وقد استندت الدراسة في نتائجها إلى آراء أكثر من 1700 من قادة الصناعة في قطاعات متنوعة، مثل الاتصالات والطيران والدفاع والخدمات والتشييد والهندسة والطاقة والموارد. وتصدرت دول الشمال الأوروبي قائمة الدول الأكثر تفاؤلاً، وحلت الامارات في المرتبة السادسة عالمياً.
كذلك، أظهرت النتائج أنّ المنتجات والخدمات المبتكرة (31 في المئة) وإمكان الوصول إلى البيانات (30 في المئة) هي من المجالات الأكثر شيوعاً التي يتوقع كبار صنّاع القرار أن يحقق الذكاء الاصطناعي فرقاً كبيراً فيها، يليها مباشرة تخفيض التكلفة بنسبة 29 في المئة. وتمّ الكشف عن وجود ارتباط وثيق بين الاستثمار في تطوير المهارات والتفاؤل بإمكانات الذكاء الاصطناعي، بحيث تبيّن أن الدول التي تعطي أولوية للاستثمار في المهارات لعدة سنوات هي بصورة عامة أكثر تفاؤلاً تجاه الذكاء الاصطناعي. وتقود فرنسا (49 في المئة)، والامارات (53 في المئة)، والنروج (48 في المئة)، وأستراليا (46 في المئة)، والسويد (46 في المئة) واليابان (45 في المئة) هذا التوجه.
وتوقعت الدراسة أن يؤدي تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى تحسين الانتاجية وزيادة النمو الاقتصادي، فضلاً عن إحداث تغييرات جوهرية في مستوى التوازن بين الدول. ووفقاً للنتائج ، تمتّعت الدول الاسكندنافية، وعلى رأسها النروج والسويد، بأعلى مستويات من التفاؤل بالذكاء الاصطناعي، وجاءتا في طليعة الترتيب العالمي، تلتهما مجموعة من الدول المتقدمة وهي فرنسا وأستراليا واليابان والامارات وكندا والدنمارك وفنلندا وألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية.
من جهتها، سلّطت دراسة شاملة أجرتها “إنترناشيونال بيزنس ماشينز كورب”، الضوء على الدور الريادي للامارات والهند في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما يجعلهما نموذجاً يحتذى به في هذا المجال. ووفقاً للدراسة، أشار 52 في المئة من المتخصصين في تكنولوجيا المعلومات في الامارات إلى أن شركاتهم وضعت استراتيجية متكاملة لدمج الذكاء الاصطناعي في جميع جوانب عملها.
وفي السياق نفسه، أعلنت شركة “World Wide Technology” عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة “NXT Global”، لتأسيس أول مركز متكامل للذكاء الاصطناعي في مدينة مصدر في أبوظبي، وذلك بهدف تعزيز مكانة الامارات كقوة مُتفوقة في مجال تقنيات الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي، من خلال تطوير البنية التحتية اللازمة وتشجيع الابتكار في هذا المجال الحيوي.
وسيعمل المركز على تصميم حلول ذكاء اصطناعي متكاملة وتطويرها وتقديمها، بهدف تسريع وتيرة اعتماد هذه التقنيات في مختلف القطاعات بنسبة تصل إلى 75 في المئة، بالاضافة إلى التركيز على تخفيض تكاليف التطوير بنسبة 50 في المئة، ما يُساهم في تعزيز ريادة دولة الامارات في الذكاء الاصطناعي ودفع عجلة الاقتصاد الوطني القائم على المعرفة.
تُسارع دولة الامارات بخطوات ثابتة الى تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، بحيث تستعد إمارة دبي لاستضافة الدورة الافتتاحية من “مهرجان دبي للذكاء الاصطناعي والويب 3″، التي ينظمها مركز دبي المالي العالمي في 11 و12 أيلول المقبل. ولا شك في أنّ التركيز المتزايد للدولة على تطوير قطاع التكنولوجيا، لا سيما الذكاء الاصطناعي يُعزّز من مكانتها وقدرتها التنافسية على الساحة العالمية. فبحسب دراسة أجرتها “بي دبليو سي الشرق الأوسط”، من المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز الاقتصاد الاماراتي بمبلغ 96 مليار دولار بحلول العام 2030، أي ما يعادل 14 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، ما يؤكد الدور المحوري للذكاء الاصطناعي في دفع عجلة النمو الاقتصادي المُستدام.