عباءَةٌ سعوديةٌ مطرّزة

لبنان الكبير

كتب الوزير السابق جوزف الهاشم:

وسطَ هذا المزاد العلَني في ترويج الألبسة الأجنبية وأزيائها في لبنان ، قـدَّم سعادة السفير السعودي وليد البخاري عباءةً سعوديةً مطرّزة إلى الدكتور سمير جعجع كهديّـة رمزيّـة من رحاب خادم الحرمَيْن الشريفَيْن ، ومن مشارف مدينة الطائف التي يعود تاريخ تأسيسها إلى ما قبل ميلاد المسيح.

ومدينة الطائف تُعتبرُ المنبعَ الغزيرَ بإنتاج الملايين من أزهار الورد في السعودية ، وكلُّ ما قطفناهُ نحن مِنْ ورودها قد حوّلناه إلى أشواك.

هذه العباءة السعودية لم تُقـدَّم حصراً إلى الدكتور جعجع ، بل هي رسالةٌ مرمَّـزةٌ إليه ، وعنهُ لأمـرِ مَـنْ يعنيهم الأمر.

ليست المـرّة الأولى التي ترتدي فيها المارونيةُ اللبنانيةُ عباءَةً سعودية ، الرئيس بشارة الخوري تلقّى عباءةً مطرّزة هديـةً من الملك سعود بـن عبد العزيز فأهداها بدوره إلى البطريرك الماروني أنطون عريضة فارتداها البطريرك أمام جمهورٍ من المؤمنين.

لعلّ رمزّيـة العباءات السعودية إلى الموارنة تحمل تقديراً لما كان لهم من فضلٍ لإنقاذ القومية العربية ، واللغة العربية – لغةِ القرآن – من “التتريك” ، حين شكّلوا مقاومةً عربية في وجـه الأمبراطورية العثمانية التي كانت تخاطب العرب بلغة الإستعمار والإحتقار ، وبهذا يصحّ ما قاله الفيلسوف كمال يوسف الحاج : “عروبةُ لبنان ضرورةٌ لبنانية ، ولبنانيتُهُ ضرورةٌ عربية …”

من معاني هذه العباءة الى الموارنة وسائر اللبنانيين وسائر العرب ـ في أنها كانت الرداء الذي تحصّـن بـه الملك عبد العزيز وهو بعـدُ في الواحد والعشرين ربيعاً ليجمعَ الأسرة السعودية بعد تشرّد ، عبـرَ مواجهات محمومة مع قوّات محمد علي باشا ، فاستجمع شَتاتَ القبائل بعد سقوط الخلافة ، واحتضن البداوة في إطارٍ سياسي منظّم ، فاستحالتْ أرضُ الرسول مملكةً على يديـه .. وسيفُه الصولجان والتاجُ مِصْحف.

ومن معاني هذه العباءة قومياً ، والمنطقة اليوم تترنّح في غُمارِ الإبادات الفلسطينية الفواجع ، أنّ الملك عبد العزيز كان أول مَـنْ أطلق الصرخةَ المجلِّيةَ في رسائلهِ إلى الرئيس الأميركي “روزفلت” محذّراً من مغبَّـةِ ما تستلهمُه الصهيونية العالمية من نصوص العهد القديم ، لتتَّخـذ منها وصيَّـةً إآـهيّـةً تستبيح بها أراضي العرب ، وكأن جلالته كان يستشرف أبعاد المطامع اليهودية المستشرسة حيال المصير الفلسطيني ، والمستقبل العربي المرتعش.

يوم ألغى “أتاتورك” العباءَةَ والطربوش والسراويل المنتفخة في تركيّا ، وقد كانت مظهراً من مظاهر العبادة ، استطاع أنْ ينتقل بدولة “الرجل المريض” إلى دولة الرجل الحضاري ، وحين يكون الطربوش مادةً للتخلّف على رأس السلطة ، يتحوّل من مظهـرٍ مجـوَّفٍ على الرأس ، إلى شكلٍ مجـوَّفٍ في الرأس.

من مآثر المملكة السعودية أنّها لا تزال محافظةً على تراث العباءات ، ولكنهّا استطاعت أنْ تسبكَ رمالَ الصحراء في شبابيكَ من الذهب ، وكأنها تروِّجُ التطوُّر على ظهرِ جمَل.

ليت سعادة السفير السعودي يـوزّع العباءات على المسؤولين اللبنانيين جميعاً ، لعلَّهم يستلهمون بها مسيرة جلالة الملك عبد العزيز.

ولعلّه يوزّع العباءات على سائر المسؤولين العرب لعلهم يسترشدون بها وهمْ في كلِّ وادٍ يهيمون ،”وحيث ما كنتم فولّوا وجوهَكُمْ شطرَه”(1) شطرَ المسجد الحرام.

المصدر: جريدة الجمهورية

شارك المقال