الأمن يستعد للأعياد… و”جريمة الشغور” تستفحل

لبنان الكبير

يكاد لا يمر يوم الا ويصدر فيه موقف لمسؤول دولي وأممي يتعلق بلبنان وأزماته، ويشدد على ضرورة الاصلاح المشروط بالمساعدة مع التأكيد أن المسؤولية تقع على عاتق اللبنانيين أنفسهم في اجراء الاستحقاقات الدستورية، وانتخاب رئيس للجمهورية، وهذا ما أكده نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى إيثان غولدريتش، الذي يزور بيروت، بقوله: “ليس من واجبنا اختيار رئيس لبنان، هذا هو دور مجلس النواب اللبناني الذي يسترشد بمطالب الشعب اللبناني. لبنان يحتاج إلى رئيس نزيه، ورئيس يمكنه توحيد البلاد، ورئيس يمكنه إدارة الحكومة وتنفيذ الاصلاحات، ونعتقد أن اللبنانيين أنفسهم سيكتشفون من هو هذا الشخص الذي يجب أن يعمل من أجل شعب لبنان”.

لكن التحذيرات والمناشدات الدولية في مكان، ومصالح المسؤولين وتكتيكهم الاستراتيجي، وأهدافهم الجهنمية في مكان آخر، بحيث يحز في قلوب اللبنانيين أن تقفل سنة 2022 بكل مساوئها وسلبياتها ونحسها، على شغور رئاسي، والأمل بات مفقوداً من جلسة انتخاب عاشرة ستعقد اليوم، وأخيرة في العام الحالي في ظل الستاتيكو القائم، وبعد أن فشلت “أرانب” رئيس مجلس النواب نبيه بري الحوارية في بلوغ النهاية المرجوة منها، بضربة “قواتية” و”برتقالية”، بحيث أن نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب كشف بعد لقائه الرئيس بري أنّ “ما لمسته من رئيس المجلس ‏أن الوقت من أجل أن يكون هناك تفاهم وتشاور محدد وليس إلى ما لا نهاية، وبعده سوف ‏يكون هناك عمل جدي أكثر ابتداء من العام المقبل”. في وقت، لفتت معلومات الى أن الرئيس بري سيكون له موقف حاسم من مقاطعي جلسات الانتخاب، وأن هناك تبدلاً في التكتيك السياسي في المرحلة المقبلة. إلا أن مصادر عين التينة أكدت لموقع “لبنان الكبير” أن الرئيس بري لا يتعاطى برد فعل في ما يتعلق بقضايا الوطن ومصالحه، انما يرى الأمور من زاوية حماية البلد في كل الظروف، فكيف الأمر اذا كان يتعلق بموضوع الاستحقاق الرئاسي؟ لا حوار في جلسة اليوم، وليس متوقعاً أن نشهد آلية أو صيغة للحوار، اذ أن الموضوع ليس ابن ساعته انما يحتاج الى أصول لتأمين مقومات نجاحه، وهذا ما كان يعمل عليه رئيس المجلس، لكن يبدو أن البعض اختار التعاطي بسلبية لأن حساباته السياسية مختلفة، وتأتي على مقاس أهوائه ونهجه. وفي حال تحدث بري في ختام الجلسة، فسيتطرق الى مجريات الأمور وما أحاط بموضوع الدعوة الى الحوار وما هو مطلوب اليوم، ومواقفه ستكون منسجمة مع قناعته ورؤيته ومقاربته للاستحقاق الرئاسي. اما في ما يتعلق بمبادرات لاحقة، فلا يزال من المبكر الحديث عنها، وما قد يقدم عليه الرئيس بري من خطوات لمواجهة الأزمة بدءاً من الاستحقاق الرئاسي. ومن اليوم حتى بداية السنة المقبلة قد تتبلور أفكار وخطة بعد أن تتوافر المعطيات، وسيبني على الشيء مقتضاه. ولا كلام عن أي أمر قبل انهاء الشغور.

وبما أن الأوضاع غير مطمئنة عشية الأعياد بحيث ارتفع منسوب التحذيرات من فوضى أو جرائم فردية تكثفت في الآونة الأخيرة، حاول القادة الأمنيون أمس، بعث ‏رسائل طمأنة، اذ أعلن وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي بعد اجتماع مجلس الأمن ‏المركزي، عن وضع خطّة أمنيّة لفترة الأعياد و”سنتشدّد ليلة الميلاد واتُّخذت كل ‏الإجراءات الضروريّة والاستباقيّة. ونعمل على تخفيف إطلاق النار ابتهاجاً ‏وسنتشدّد في محيط المطار لمنع إطلاق النار العشوائي”.

وتوازياً، برزت زيارة لقائد الجيش العماد جوزيف عون الى ‏السراي الحكومي، حيث أكد أن “الوضع الأمني ممسوك، وليس هناك أي مخاوف من حوادث فردية قد ‏تؤدي الى تفلّت أمني”.

وفي هذا الاطار، اعتبر وزير داخلية سابق في حديث لموقع “لبنان الكبير” “الوضع الأمني في ظل الأوضاع التي نعيشها، يعتبر ممتازاً، والأجهزة الأمنية اليوم قادرة على مواصلة عملها والاستمرار على الرغم من الوضع الاجتماعي والمالي”.

أما بالنسبة الى الأمن الذاتي الذي يعتمد في بعض المناطق، فقال الوزير: “أنا شخصياً لا أقبل به مهما كان، وهو ممنوع ومخالف للقانون، خصوصاً أنه لا يضبط الأمن بل يوتر الأجواء أكثر فأكثر ويصبح (كل واحد فاتح دكانة على حسابه، ساعتها العوض بسلامتك)”.

وعلى وقع المعلومات المتضاربة حول زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الى بيروت لتمضية الأعياد مع جنود بلاده في “اليونيفيل”، وذلك لأسباب أمنية وفق ما قال أحد المطلعين، رأى المطارنة الموارنة في بيان بعد إجتماعهم الشهري في الصرح البطريركي، برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي أن “الاتصالات ‏الدولية والعربية الجارية في الشأن الرئاسي اللبناني، تُعطي مزيداً من الأمل بوصول ‏المجلس النيابي إلى انتخابِ رئيسٍ جديد للجمهورية”، معتبرين أنّ “أمور المواطنين الأساسيّة يمكن ‏معالجتها بأساليب دستوريّة شتّى، من دون إنعقاد الحكومة المستقيلة، والبلاد في حال ‏الشغور الرئاسيّ. والخروج من المأزق الذي يعيشه لبنان يبدأ بالاسراع في ‏انتخاب رئيس للجمهورية يضع إعادة بناء الدولة على السكة الدستورية الصحيحة”‏‎.‎

في الموازاة، تلقّى وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور حجّار اتصالاً هاتفياً من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يبلغه نيّته عقد لقاءٍ تشاوري عند الساعة الرابعة من بعد ظهر غد الجمعة، في السراي الحكومي، على أن يبلّغ الوزراء اليوم عبر أمانة سرّ رئاسة مجلس الوزراء.

ولأنه لا يختلف اثنان على أن الوضع القائم غير سليم، هناك طرحان في البلد اليوم، ورؤيتان متناقضتان ومتعارضتان للانقاذ: طرح البطريرك الراعي الذي يطالب منذ مدة بعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، ويدعو الأمم المتحدة إلى المساعدة في إنقاذ الدولة اللبنانية، لأن المسؤولين يتنافسون على تطيير الحلول الداخلية، وطرح الرئيس بري الذي يدعو الى الحوار الداخلي للتوافق على اسم لرئيس الجمهورية.

وفي هذا السياق، اعتبر أحد النواب ان “المؤتمر الدولي سلاح ذو حدين، وهو نوع من إخراج القرار بالكامل من لبنان الذي سيستخدم كصندوق بريد، وفكرة التحييد هي الأصح، لكن في المقابل الاستحقاق الرئاسي لم يكن يوماً استحقاقاً داخلياً بحتاً”. فيما لفت نائب آخر الى أن “لا بد من أن يصل الجميع الى قناعة بوجوب الحوار. هذا البلد محكوم بالتوافق الذي يعني أننا ملزمون بحوار منفتح في كل الأزمات، يتناول كل الملفات لأن تركيبة البلد تتطلب الحوار الدائم وليس الحوار الموسمي. نحن بغنى عن إقحام بلدنا في المتاهات، وفي لعبة الأمم التي قد تجرنا الى ما لا يحمد عقباه”.

وفي قراءة لأحد السياسيين الدستوريين المخضرمين، يقول: “المؤتمر الدولي والحوار الداخلي، رؤيتان تتصديان لمعضلة واحدة، وكل طرف يرى العلاج على طريقته. يتطلب الأمر لحظة من اللحظات تكون مؤاتية، تنضج فيها مسألة حل القضية اللبنانية، على المدى المتوسط (10 سنوات أو 15 سنة) لأن أزماتنا دورية، كما حصل في اتفاق الطائف، لكن السؤال هنا: هل وصلنا الى هذه اللحظة؟ لا يبدو ذلك الى اليوم. لذلك، نحن في مرحلة المراوحة المصحوبة بنزف شديد. المطلوب اليوم ببساطة اللجوء الى الدستور الذي ينهي الخلاف بحيث ينص صراحة على كيفية الانتخاب وآليته. اذاً الآلية موجودة والدستور موجود، لكن المسألة تكمن في التطبيق في الاستحقاق الرئاسي. هناك فريق يعتبر أن الدستور وجهة نظر، وقرر وضعه جانباً، ويريد التحدث عن الانتخابات خارج اطاره. ونتوافق مع طرح البطريرك لأن هناك الكثير من التجارب السابقة التي لم تجد طريقها الى الحل الا عبر الخارج. للأسف، نضرب كل الأصول القانونية والدستورية في الاستحقاق الرئاسي، مما يحتم طلب المساعدة من الخارج التي هي نتيجة تمسك القوى السياسية بمخارج معينة تخدم مصالحها، وتستمر في نهجها التعطيلي منذ سنوات. ولا بد من الاشارة الى أننا كلنا مع الحوار لكن لا يجوز ربط انتخاب رئيس الجمهورية بالحوار. مع التأكيد أن ليس هناك من امكان في الداخل للتوافق على رئيس للجمهورية”.

وثيقة سرية

على صعيد آخر، كشفت وثيقة سرية لشركة “لويدز مارين” للتأمين ومقرها ‏لندن، عما اعتبرته مخططات إيران غير القانونية لتمويل “حزب الله” عبر فنزويلا‎.‎‏ وفي ‏تحذير سري لعملائها، قالت: “إن (فيلق القدس) التابع لـ(الحرس الثوري) الايراني و(حزب ‏الله) يرسلان الذهب بصورة غير قانونية من فنزويلا إلى إيران، لتمويل الأنشطة الارهابية ‏للميليشيات المدعومة من طهران في لبنان، بتجاوز للعقوبات”. وأشارت الوثيقة الى أن “الغرض من هذا التنبيه الالكتروني هو إعلام السوق ‏بالشحن غير المشروع للذهب من قبل (فيلق القدس) من فنزويلا إلى إيران، لجمع الأموال للأنشطة الارهابية، لتسهيل بيع النفط ‏الإيراني، بما يتعارض مع العقوبات”.

‎وحددت “لويدز مارين” أيضاً بعض الأشخاص ‏الذين سهّلوا الشحن غير القانوني للذهب من فنزويلا، نيابة عن “فيلق القدس”: الشخص الأول هو علي قصير، وهو ممثل لـ “حزب الله” في ‏إيران، وأحد المدرجين في لائحة مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (الأميركي) للعقوبات ‏العالمية ضد الارهاب‎.‎‏ اما الشخص الثاني، فهو محمد جعفر قصير، وهو مسؤول كبير في “حزب الله” مدرج أيضاً من مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، بسبب أنشطته غير ‏القانونية المرتبطة بالجماعة المسلحة‏‎.‎

شارك المقال