قضاء ضد “نون”… وطائفيون بعيداً من العدالة

لبنان الكبير

إنتهى الأسبوع على وليام نون موقوفاً ومطلق السراح. خرج نون وبقيت قضية المرفأ محاصرة بالمزايدين وبالمتدخلين في القضاء، وبقيت حسرة أهالي الشهداء على حالها، من دون حقيقة ومن دون محاسبة.

العبرة ليست في توقيف وليام نون وشعبوية بعض النواب الذين أتتهم القضية “شحمة على فطيرة” لملء الفضاء الاعلامي بالشعبوية وملء سجلاتهم الفارغة بتصريحات بلغت حد قول أحد النواب لعنصر في قوى الأمن “ما بدي أعطيك بطاقتي”، ظناً منه أنه نائب الجمهورية ومعروف من كل اللبنانيين، وغاب عنه أن العنصر بالكاد قادر على متابعة يومه براتب شهري لا يتجاوز الـ ٥٠ دولاراً.

العبرة في أن تتحقق العدالة، ليس بخروج وليام نون الحرّ والمحق، بل بالعمل على الوصول الى الحقيقة في انفجار المرفأ، عبر العودة الى الطروحات القادرة على الامساك بخيط المساواة والعدالة. اما لجنة تحقيق دولية أو رفع الحصانات عن الجميع لمحاسبة كل من له علاقة بالانفجار.

ولا شك في أن الاهمال الاداري مهم، لكن الأهم من فجّر المرفأ ومن خزّن النيترات ومن كان ينقلها الى سوريا؟

سنتان مرتا ولم يتقدم التحقيق قيد أنملة، بسبب الخلاف على الصلاحيات والحصانات واستغلال الملف في البازار السياسي، ولم تجد الدولة حلاً مع أهالي شهداء التفجير إلا سجنهم، كونها عاجزة عن تحقيق العدالة لهم.

“التيار الوطني الحر” اعتبر نفسه معنياً مباشرة بالدفاع عن أمن الدولة كأن الجهاز ملكه الخاص، وبدأ بمهاجمة أهالي الشهداء، وابتدع فكرة أن هذا التحرك هدفه عرقلة عمل القضاة الأوروبيين الذين يسعون الى التحقيق في ملفات فساد، وهذا الأمر أشار إليه رئيس التيار جبران باسيل بتعليقه على اعتقال نون والتحركات المواكبة عبر “تويتر” قائلاً: “مهما تعسفتم، لن تستطيعوا ايقاف العدالة؛ وسنبقى نناضل لكشف حقيقة المرفأ، ولتحرير الموقوفين ظلماً، ولكشف سرقة العصر وأموال المودعين؛ تستطيعون أن تتلاعبوا ببعض القضاة الدمى ولكن سيبقى للبنان قضاة وطنيون عصيون؛ ولن تستطيعوا حكماً أن توقفوا القضاء الخارجي؛ سنبقى نلاحقكم، لتلتحقوا بمصيركم”.

نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب تمايز عن رئيس التيار وجمهوره قائلاً في تغريدة: “توقيف وليام نون بهذا الشكل الفاضح غباءٌ مشكوك بأمره وبهدفه غير البريء! لا تُفرض هيبة القضاء بهذه الطريقة،‏ فالقضاء الذي لم يتحمل كلام وليام المعترض على إخفاقاته، ومجلس القضاء الأعلى الذي لم يجد حلاً لاستكمال التحقيق بجريمة المرفأ لا يفرض احترامه بتصرف كهذا وسيهزم أمام وليام وقضيته!”.

أما حليف التيار “حزب الله” فاتخذ وضعية الصمت الرسمي، ولكن جمهوره كان رأيه كرأي التيار تقريباً في هذا الأمر، وكان ذلك واضحاً عبر تعليقات مناصريه ومحازبيه على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي خلفيات اعتقال نون، رأى مصدر مقرب من أجواء مرجعية سياسية، أن “الاعتقال بهذا الشكل قد يكون هدفه إشعال الشارع، على وقع ارتفاع سعر صرف الدولار، والانقسام السياسي في ملف الاستحقاق الرئاسي، وربما يظن من يقف خلف هذه الاجراءات أنه يمكنه خلق فوضى في شارع ما، تتسبب باشتباكات مع شارع آخر، علّه يستطيع استجلاب الخارج لفرض حل مثلما كان يفعل عند كل اشتباك”.

من جهة أخرى، شبّه أحد المخضرمين في العمل السياسي أركان الدولة اللبنانية بـ “السحرة الذين يتقنون الهاء الجمهور باليسار وتنفيذ الخدعة باليمين”، معتبراً أن “هذا الفن يتقنه سياسيو لبنان جيداً، بل ربما هم محترفون في ذلك أكثر من هاري هوديني ودايفيد كوبرفيلد، بحيث أن الشعب اللبناني نسي كل مصائب السلطة، وأصبح شغله الشاغل اعتقال أهالي شهداء المرفأ. الدولار أصبح يلامس الـ ٥٠ ألفاً، الفراغ في رئاسة الجمهورية لا يبدو أنه سيسد قريباً، تحقيق المرفأ بنفسه معطل، الدواء ينقطع من الأسواق، حليب الأطفال أصبح حلماً، الأمن الاجتماعي كله في خطر، بواخر الفيول الراسية على الشواطئ اللبنانية تكلف اللبنانيين آلاف الدولارت يومياً حتى وصلت إلى ما يقارب المليون دولار، في خضم ذلك كله فجأة يصدر قرار باعتقال أهالي ضحايا المرفأ، بالتأكيد الأمر ليس صدفة، هناك من يقوم بخدعة ما، تجعل الشعب اللبناني يتراقص كالدمى بين يديه، يحرك خيطاً من هنا وآخر من هناك، وينتج لنا مسرحية تشد الأنظار، فهل يعقل أن القضاء استيقظ على هيبته الآن؟ بعد كل الأحداث وبعد الاعتكاف القضائي أصبحت هيبة القضاء هي زجاج العدلية المكسور؟ أمر يدفع الى التساؤل عن الهدف الحقيقي من هذا القرار.”

أفرج عن نون ولم يفرج عن التيار الكهربائي، ولا تزال المناوشات بين وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض وخلفه “التيار الوطني الحر” من جهة، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي من جهة أخرى، إلا أن الهيئات الرقابية وعلى رأسها رئيس هيئة الشراء العام جان العلية، حكمت بالأمر، ووضعت اللوم على وزير الطاقة واعتبرته خالف الأصول، وذلك عبر تقرير مفصل نشر على موقع الهيئة مذيلاً بتوقيع العلية.

وفي هذا الاطار، رأت مصادر مقربة من الرئيس ميقاتي في تعليق لـ “لبنان الكبير” أن “الحقيقة واضحة وضوح الشمس، وكل ما يفعله التيار ووزير طاقته أنه يكلف الدولة أموالاً طائلة هي بأمس الحاجة اليها، وهذا الأمر لو حصل في بلد آخر، لكان سُجن المخالفون، والدولة استردت أموالها من ثرواتهم بالقوة”.

شارك المقال