ميقاتي مع الراعي وبخاري عند بري… لكسر “السكون الرئاسي”؟

لبنان الكبير

في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، يبدو المسؤولون في لبنان كأنهم يعيشون خارج الزمان والمكان بحيث يكتفون بالقراءات والمناكفات والمواقف التصعيدية فيما قطار التغيير قد سبقهم، وصاروخ الدولار الذي شارف على المئة ألف ليرة، سبق كل امكانية للحاق به أو ايقافه عند حده. وتقاطعت نكبة اللبنانيين المصرفية مع نظرائهم في المواطنة في الولايات المتحدة وبريطانيا حيث جمعتهم مصيبة واحدة في افلاس مصارف وودائع تتبخر، لكن الحكومة الأميركية سارعت الى استيعاب الصدمة وطمأنت المودعين، فيما سياسة مص الدماء لا تزال سارية المفعول في لبنان.

وبالعودة الى الحسابات السياسية، بعيداً عن الحسابات المصرفية، مما لا شك فيه أن الاتفاق السعودي – الايراني أحدث زلزالاً سياسياً في المنطقة، ولا تزال ارتداداته محور الاهتمام وسط انطباع داخلي أنه سيساهم في تسوية رئاسية خلال أسابيع بعد حركة ديبلوماسية عربية وايرانية في المنطقة، ستكون انعكاساتها إيجابية.

وبالتوازي، شهدت الساحة الداخلية أمس، حركة ديبلوماسية وسياسية، تنقلت بين الصرح البطريركي وعين التينة، تخللها العديد من المواقف والتصاريح المهمة، والتي اتسم بعضها بالايجابية، وبالأجواء التفاؤلية ما جعل اللبنانيين يتنفسون الصعداء لأنهم يبحثون عن جرعة أمل كمن يبحث عن ابرة في كومة قش خصوصاً عندما قال سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري رداً على سؤال عما اذا كان هناك أي شي إيجابي للبنان: “شي أكيد.”

والبداية، من بكركي، وعشية مغادرته الى الفاتيكان، زار رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، وعقد معه خلوة تناولت التطورات الراهنة والزيارة التي سيقوم بها ميقاتي الى الفاتيكان للاجتماع بالبابا فرنسيس. وقال رئيس الحكومة في دردشة سريعة مع الإعلاميين: “ربيع لبنان قريب إن شاء الله”. واوضح أنه شرح “لصاحب الغبطة موضوع اجتماعات مجلس الوزراء وضرورة السهر على متابعة ادارة المرفق العام، وكان متفهماً جداً لهذه المواضيع. نحن نتحدث عن عمل حكومي في مرحلة تصريف الأعمال، ولكن الدستور عندما تحدث عن تصريف الأعمال بصلاحيات محددة، كان على أساس أنه لوقت قصير، ولكن كلما طال وقت الشغور الرئاسي، توسعت الحاجة الى توسيع نطاق الصلاحيات من أجل متابعة أمور الدولة كما ينبغي متابعتها. ولمن يتحدث ويقول إن مجلس الوزراء شرعي أو غير شرعي ويحق له أن يجتمع أو لا يجتمع، فليتفضل ويقوم بدوره في انتخاب رئيس الجمهورية في أسرع وقت، وهذا هو باب الخلاص”.

أضاف: “تطرقنا أيضاً الى الكلام المستهجن والبغيض الذي نسمعه عن الموضوع الطائفي والاتهامات الطائفية والتي أسماها صاحب الغبطة بالهستيريا السياسية. هذا الكلام أعتبره دليل افلاس سياسي في هذا الوقت بالذات، لأن المقاربة التي نقوم بها ليست طائفية، والقاصي والداني يعرف ما هو دوري وأنني لم أقم في يوم من الأيام الا بدور وطني بكل ما للكلمة من معنى، وإنني من المؤمنين بأن التعددية هي مصدر غنى للبنان ولجميع اللبنانيين. اتفاق الطائف هو الاتفاق الأساس الذي يحمي كل هذه الأمور والتي أتابعها بكل ما للكلمة من معنى”.

وأكد مصدر متابع لموقع “لبنان الكبير” أن زيارة الرئيس ميقاتي الى بكركي كما الى الفاتيكان مهمة ولافتة في توقيتها في ظل تطورات وتحولات داخلية وخارجية، مفصلية خصوصاً بعد الاتفاق السعودي – الايراني، وترقب انعكاساته على لبنان كما على دول المنطقة، وبعد الهجوم العنيف الذي شنه رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل عليه حول ملف التجنيس. واعتبر المصدر أن “زيارة ميقاتي الى بكركي، رسالة واضحة لباسيل الذي يتحدث دائماً بلغة طائفية بحجة الدفاع عن الحقوق المسيحية، والاتهامات الطائفية في تغريدته الأخيرة أقل ما يقال فيها انها هستيريا سياسية كما وُصفت في اللقاء بين البطريرك الراعي والرئيس ميقاتي كما أن زيارته الى الفاتيكان، رسالة أخرى الى باسيل اذ سيتحدث عن أهمية الدور المسيحي في لبنان، والتأكيد أن حكومته لن تكون بديلاً عن رئيس الجمهورية، ليقطع الطريق أمام محاولات باسيل المتكررة بإظهار الحكومة أنها تتعدى على صلاحيات الرئاسة الأولى، وأن كل ما يروّج له التيار الوطني الحر تحت شعار الدفاع عن حقوق المسيحيين ورئاسة الجمهورية لا أساس له من الصحة”.

ورأى مرجع ديني أن “الحركة التي يقوم بها الرئيس ميقاتي ليؤكد أن لبنان التنوع والتعايش ولبنان الرسالة هو الذي سيستمر، وأن العصبيات المذهبية والطائفية والمناطقية الى زوال خصوصاً أن باسيل وقبله الرئيس السابق ميشال عون، يجسدان أسوأ أنواع العصبية الطائفية والمناطقية التي كانت تطمح الى ضرب صيغة لبنان، وطن العيش المشترك. والرئيس ميقاتي يؤكد من خلال لقائه مع بابا الفاتيكان أنه يسعى الى لبنان الرسالة والتعايش، ويحمل مشروع بناء دولة المواطنة ومشروع حقوق اللبنانيين، لأن مصطلحات حقوق فئة أو طائفة، مشاريع انتحارية في لبنان. الرئيس ميقاتي كما الرئيس سعد الحريري، كانا ولا يزالان يعملان لمشروع بناء وطن اللبنانيين، وتعميق ثقافة المواطنة. وشعار حقوق الطوائف يجب أن يسقط ليحل محله حقوق اللبنانيين في كل مناطقهم وتوجهاتهم السياسية”.

فيما اعتبر أحد المحللين السياسيين ان “مسار ميقاتي منفصل كلياً عن مسار باسيل الذي يعيش حالة تخبط، وعزلة، وميقاتي يمارس دوره في هذه الظروف. والواضح أيضاً أن الاتفاق السعودي – الايراني الذي طرأ على المشهد السياسي، سيزيد من عزلة باسيل وضعفه السياسي في الداخل لأنه بات خارج الاطار أي لا مع هذا الطرف ولا مع ذاك. لذلك، يعوض عن الضعف السياسي والحضوري والترهل في تكتله النيابي والاستقالات داخل التيار، ببعض الصراخ السياسي من حين الى آخر، لكنه ذاهب نحو مرحلة التحلل السياسي الذي لا يقضي على مستقبله فقط انما على وجود تياره”.

وليس بعيداً، استهجن مجلس المفتين “الحملات المتتالية على موقع رئاسة الحكومة، وافتعال فتنة جديدة تحت شعار الصلاحيات”، مطالباً “الجميع بالعودة الى الدستور والتزام اتفاق الطائف”. ورفض “المس بصلاحيات رئيس مجلس الوزراء تحت أي عنوان أو ذريعة”، مؤكداً أن “رئيس مجلس الوزراء يلتزم الدستور واتفاق الطائف والأصول المرعية الإجراء في كل خطوة يقوم بها من أجل تخفيف المعاناة عن الوطن والمواطنين”.

أما في عين التينة، فقد استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري، السفير بخاري وجرى عرض للأوضاع العامة في لبنان والمنطقة والعلاقات الثنائية بين البلدين. واستشهد السفير بخاري بما “يردده الرئيس بري، بالدعوة الى الكلمة السواء، وأن ارادة الخير لا بد منتصرة”، لافتاً الى أن “المرحلة الراهنة تستوجب الاحتكام أكثر من أي وقت مضى الى الكلمة الطيبة والرهان دائماً على الارادات الخيرة”. ولدى مغادرته، أجاب رداً على سؤال عما اذا كان هناك أي شي إيجابي للبنان: “شي أكيد.”

وفيما أكدت مصادر مطلعة على الموقف السعودي لموقع “لبنان الكبير” أن أجواء اللقاء لم تكن مختلفة عما ذكره السفير السعودي في لقائه مع البطريرك الراعي، وأن “موقف المملكة كان ثابتاً لناحية المعايير والمواصفات لرئيس الجمهورية”، لفت أحد المتابعين الى أن “التقارب السعودي – الايراني وحركة الرئيس ميقاتي، وحركة السفير السعودي تبشر بالخير لأن السعودية عودتنا دائماً أنها لا تحمل للبنان سوى الخير والأمان، ولم يسجل تاريخياً أنها احتضنت ميليشيا أو فريقاً من اللبنانيين انما تحتضن لبنان الشعب والدولة والمؤسسات. نلمس تغليباً للايجابيات على السلبيات في المرحلة المقبلة، واذا ترجمت الاتفاقية كما هو مرسوم لها، فستكون المرحلة المقبلة جيدة من اعادة صياغة الوضع في لبنان على أسس مختلفة عن السابق، واذا كانت الترجمة سيئة فنعود الى مرحلة التعقيد.”

من جهة ثانية، رأى الرئيس بري خلال استقباله مجلسي نقابتي الصحافة والمحررين أنه “كان يجب أن ننتخب رئيساً للجمهورية أمس قبل اليوم وغداً قبل بعد الغد. نحن ماذا نريد من رئيس الجمهورية؟ أنا بحاجة الى رئيس يتحدث مع سوريا في موضوع ترسيم الحدود وحل أزمة النازحين لأننا اذا كنا سنعتمد على الأوروبيين والأميركيين فهم غير مكترثين لهذا الموضوع، نريد رئيساً قادراً على مقاربة الاستراتيجية الدفاعية، رئيساً مؤمناً باتفاق الطائف، وانطلاقاً من كل ذلك رشحنا الأستاذ سليمان فرنجية”.

وحول لقائه السفير السعودي، قال بري: “التواصل كان قائماً وسوف يتواصل وقد حصلت قبل هذا اللقاء عدة لقاءات”. وشدد على أن “الحل السياسي يبدأ برئاسة الجمهورية، وسليمان فرنجية مد يده للجميع، وصالح كل الناس. فاذا كان سليمان فرنجية لا يجمع فمن هو الذي يجمع؟”، مؤكداً أن “لا خلاص للبنان الا بالدولة المدنية”.

أضاف: “تمسكنا بالطائف كونه مثل إطاراً لوقف الحرب وأفسح المجال أمام لبنان واللبنانيين لسلوك مسار متطور يحافظ على الطوائف ويحد من الطائفية، والمدخل الى ذلك فقط يقوم على تطبيق المادة 22 من الدستور. اذا لم ننتقل نحو الدولة المدنية، فلبنان لن يتعافى”.

على صعيد آخر، أعلنت نقابة المعلمين في المدارس الخاصة، عن الاضراب وعجز المعلمين عن الوصول إلى مدارسهم اليوم الثلاثاء في كل المدارس الخاصة في لبنان بعدما أصبح سعر صرف الدولار على مشارف المئة ألف، وسعر صفيحة البنزين على مشارف المليوني ليرة، على أن يجتمع المجلس التنفيذي لتقويم الوضع بعد ظهر اليوم، واتخاذ الموقف التصعيدي المناسب، مع العلم “أننا نتجه إلى الأسوأ في حال استمرار تجاهل مطالبنا من الدولة واتحاد المؤسسات الخاصة”.

شارك المقال