تمديد وتأزيم بالداخل… ولبنان يتابع “ثلاثية الخراب” في السودان

لبنان الكبير

بعد عطلة الأعياد ينقسم المشهد في بيروت بين مجلس النواب في ساحة النجمة، وجلسة طارئة في السراي الحكومي، والطبق الأساس في المشهدين هو الانتخابات البلدية والاختيارية، بالاضافة الى بحث الحكومة رواتب للقطاع العام، وهذا الملف مرحب به من كل الأطراف، إلا أن التمديد للمجالس البلدية والاختيارية يشكل جدلاً في البلد، بين مؤيد ومعارض، حتى أن العظات الكنسية يوم الأحد، اتسمت بالهجوم على السياسيين على خلفية الملف البلدي، وبالتحصيل الحاصل الملف الرئاسي.

وبينما الاستحقاقات المحلية في سياق التأجيل والتعطيل، تبدو التطورات في الاقليم هي الشغل الشاغل في المنطقة، فالسعودية وإيران لا تنفذان مضامين اتفاق بكين وحسب، بل يبدو أنهما تستعجلان تطبيقه بأسرع وقت ممكن، كأن السنة هي 2030، وتعيش المنطقة رؤية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. في حين قبل الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي دعوة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز لزيارة الرياض، ووجه اليه دعوة مماثلة لزيارة إيران، التي تأمل أن تستطيع والسعودية إعادة فتح السفارات والقنصليات بحلول 9 أيار المقبل.

لا ينغص المناخ الاقليمي المشرق، إلا لفحات الرياح السلبية من جهة السودان التي تشتد المعارك فيها، وسط تخوف من تطور الصراع ليصبح حرباً أهلية شاملة.

الطرفان المتقاتلان في السودان هما الجيش السوداني، وميليشيا الدعم السريع، التي تشكلت من ميليشيات الجنجويد، التي استخدمتها الحكومة السودانية في محاولاتها لمحاربة التمرد المناهض للحكومة خلال الحرب في دارفور، وبالتالي تحظى هذه الميليشيا بغطاء سياسي شرعي، قد يمكن تسميته “جيش وشعب وقوات الدعم السريع”، الأمر الذي يشبه الحالة اللبنانية، التي تغطي “حزب الله” عبر البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة. وفي هذا السياق، رأى مسؤول عسكري سابق في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “هذا ما يحصل عندما يحظى فصيل ما بفائض قوة خارج الاطار الرسمي للدولة، ولو أننا في دول تحترم نفسها، لحلت هذه الميليشيات تلقائياً بعد انتهاء الحرب، كما حصل في فرنسا بعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية، وحلت جميع فصائل المقاومة الفرنسية لمصلحة الدولة وجيشها الشرعي، ولكننا في دول متخلفة من الصعب بناء الدولة فيها”، معتبراً أن “هناك فارقاً أساسياً بين ميليشيا الدعم السريع وحزب الله، فالأولى هي قوات شكلتها الدولة لمصالحها، بغض النظر عن أنها انقلبت عليها لاحقاً، إلا أنها كانت تتبع للدولة السودانية، أما حزب الله فهو فصيل مسلح يتبع الخارج ويأتمر منه، وينفذ أجنداته”.

أما عن احتمال أن تتكرر أحداث السودان في لبنان، فأشار ضابط متقاعد الى أن “عدة أحداث حصلت خلال السنوات الماضية كان يمكن أن تؤدي إلى مواجهة مسلحة بين الجيش وحزب الله، ولكن لا يزال هناك بعض الحكماء في البلد الذين يمنعون تطور أي حادث، حتى لو كانت لديهم مشكلة مع وجود الحزب كفصيل مسلح، وهذا إلى اليوم هو ما يمنع أي انجرار الى اقتتال مسلح يفرط عقد الدولة”.

عشية انعقاد الجلسة النيابية التشريعية للتمديد للمجالس البلدية والاختيارية، سجلت حملة متزامنة من الكنيستين المارونية والأرثوذكسية، شنّها كل من البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي ومتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران إلياس عودة على النواب، من باب الاستحقاقين الرئاسي والبلدي، وقال الراعي في عظة الأحد: “ما القول إذا كان المسؤولون السياسيون عندنا يجتهدون في خلق الصعوبات والعقد التي تأتي بالنتائج الوخيمة على المواطنين؟ لقد تفانوا بكل جهد في عدم انتخاب رئيس للجمهورية وفي تكريس الفراغ في الرئاسة الأولى، وشل المؤسسات الدستورية، مجلس نواب وحكومة وإدارات عامة، منذ ستة أشهر. فرموا البلاد في الانهيار الكامل اقتصادياً ومالياً وإنمائياً واجتماعياً. ثم عادوا بالتفاني والجهود نفسها ليمددوا للمجالس البلدية والاختيارية – ويا للسخرية! – ظناً منهم أنهم بذلك يبررون عدم إمكان انتخاب رئيس للجمهورية”.

وسأل الراعي “نواب الأمة”: “كيف رفضتم الاجتماع، لغاية تاريخه، لانتخاب رئيس للجمهورية، واستمرأتم في الفراغ الرئاسي، واليوم تجتمعون بكل سهولة وتؤمنون النصاب من أجل تأجيل استحقاق دستوري آخر وطني وديموقراطي، هو إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية، وبذلك تمنعون المواطنين من حقهم الدستوري في التعبير عن رأيهم وإيصال من يرونه مناسباً؟”.

أما المطران عودة فقال في العظة التي ألقاها خلال ترؤسه القداس الاحتفالي بعيد الفصح: “فلنصلّ من أجل أن يسعى مسؤولو هذا البلد إلى النقاوة كي يتسرب النور إلى عقولهم وقلوبهم، ويفضح ما عشش فيها من فساد، ويطرده خارجاً، عندئذ تبدأ المسيرة الحقيقية نحو قيامة الوطن والمواطن من الهوة الجحيمية التي حفرت وعمقت فابتلعت الجميع. قرابة سنة مضت على انتخاب أعضاء هذا المجلس النيابي، وشهور مضت على فراغ في سدة الرئاسة أخرج البلد من دائرة الثقة العالمية، وثقة المواطنين، كما حصل بعد تفجير المرفأ، الذي دمر نصف العاصمة، وأودى بحياة أكثر من مئتين من أبنائها، من دون الوصول إلى كشف المجرم الحقيقي، لا بل شل القضاء من أجل طمس الحقيقة”.

الاهتراء المستمر في الدولة يؤدي إلى انفلات الأمن، فقد شهدت الأيام الأخيرة عدة حوادث أمنية، من العثور على جثة مواطن مصاب بطلق ناري في رأسه في منطقة نهر إبراهيم، إلى الجريمة التي هزت بلدة مشغرة وأدت إلى مقتل أخوين شابين، تحت مسمى عملية ثأر، ليتكرر مشهد الاشتباكات في البقاع بين العشائر، حيث دوى صوت إطلاق الرصاص والقذائف إثر إشكال في محلة بريتال. الوضع الأمني متفلت الى درجة أن أحد المواطنين أطلق النار على شقيقه وأرداه قتيلاً في منطقة ذوق مكايل، إثر خلاف نشب بينهما في منزلهما، فيما تسجل حوادث أمنية متنقلة بصورة شبه يومية في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها البلد، والتي تتسبب بانحلال تام للدولة.

شارك المقال