اذا كانت الاشارات التي تسرّبت خلال اليومين الماضيين صحيحة، فيبدو أن البلد متجه إلى واقع اسمين متنافسين للرئاسة، رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، والوزير السابق جهاد أزعور، وعندها يكون الحكم التصويت داخل مجلس النواب، بحيث يشيع “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” الاعلان عن أن الاتفاق على أزعور هو على مسافة خطوة أو أقل. في هذا الوقت سجل استنفار كاثوليكي ضد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على خلفية قرار مجلس الوزراء وضع المدير العام لوزارة الصناعة داني جدعون بالتصرف نتيجة خلافه مع وزير الصناعة جورج بوشكيان.
وبدأ المعنيون بترقب موقف الكتل النيابية الباقية من ترشح أزعور كون “حزب الله” يعتبره مرشح تحدٍ، فهل يقبل أن يسير به الحزب “التقدمي الاشتراكي” الذي أعلن عدم قبوله بمرشحي التحدي؟ وهل يسير به تكتل “الاعتدال الوطني”؟ ماذا عن التغييريين، هل جميعهم موافقون على أزعور؟ عدا عن بعض المستقلين الآخرين، الذي لدى بعضهم مواقف مبدئية ضد صندوق النقد الدولي؟ ويبقى السؤال الأبرز، هل فعلاً هذا الطرح جدي من “التيار الوطني الحر” أم أنه مناورة مستكملة باتجاه “حزب الله”؟ الأيام ستكشف هذا الأمر.
الا أن مصادر متابعة رأت عبر موقع “لبنان الكبير” أن “المرشح الحقيقي والوحيد في ذهنية جبران باسيل هو باسيل نفسه، وأن طرحه لأزعور سيكون لحرقه في المجلس النيابي، وسيحاول أن يضرب عصفورين بحجر واحد، علّه يستطيع حرق اسم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في الجلسة نفسها مع أزعور، وعندها قد يستطيع مفاوضة حزب الله جدياً، إلا أن المؤكد أن باسيل لن يجرؤ على الخروج من عباءة الحزب، فبدونها سيتجمد برداً، حتى وسط جهنم”.
رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أشار إلى أن “المعطيات تشير إلى تبني النائب جبران باسيل ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور للرئاسة الأولى، لكن بعض الضياع القائم على مستوى التيار الوطني الحر لا يزال يضيع المسألة في كليتها، فيما المفاوضات حاصلة بين أطراف من المعارضة – وليس بين القوات وباسيل”، مضيفاً: “تقول القوى المعارضة إنه وبعد أخذٍ ورد استمر طيلة الأسبوع الماضي، اتخذ باسيل قراره خلال الساعات الماضية في السير بأزعور (بين ليل الخميس وصباح الجمعة). لكنني أطرح شخصياً علامات استفهام حتى أشاهد باسيل في المجلس النيابي ويقترع لمصلحة أزعور للتأكد جدياً من المسألة”.
وأكد عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب فادي كرم، المشارك في المفاوضات مع “التيار الوطني الحر” أن الأخير “أصبح واضحاً في تأييده للتفاهم مع المعارضة حول ترشيح جهاد أزعور للرئاسة، ولا تزال هناك بعض التفاصيل يجب أن تبحث لايصال المرشح”. ولفت الى أن “التفاهم مع التيار الوطني الحر ذاهب نحو النتيجة الجيدة ونحاول أن نبني الثقة بخطوات هادئة، وقد التقينا على رفض مرشح الممانعة وأن نكمل المشوار عبر مرشح ليس لنا وليس لهم”.
بينما اعتبر نائب كتلة “الكتائب” الياس حنكش الذي يدير الوساطة بين التيار والمعارضة، أن “حظوظ انتخاب رئيس قريباً تحسنت”. وقال في حديث اذاعي: “أصبح هناك تقاطع على بعض الأسماء مع التيار وطبعاً الشيطان يكمن في التفاصيل وكيفية تعاطي الرئيس مع الملفات الداهمة في لبنان وما اذا كنا سنستمر في هذا التقاطع”. وكشف أن من بين الأسماء التي وافق عليها التيار اسم أزعور، مشيراً الى أن “موقف النائب آلان عون لا يعبّر عن موقف تكتل لبنان القوي المنقسم الى قسمين: قسم مع باسيل وآخر لديه مواقفه خصوصاً لناحية انتخابات الرئاسة”.
وعن امكان مناورة باسيل لتمرير الوقت، أجاب حنكش: “لا أستطيع أن أضمن نيات أحد، وهناك إصرار على المواجهة لأننا لا يمكن أن نكرّس رئاسة الجمهورية لحزب الله”.
أما “حزب الله” فيبدو أنه لا يزال على موقفه، اذ قال عضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ نبيل قاووق: “نحن أعلنا استعدادنا للحوار والتوافق لانتخاب رئيس للجمهورية أما الفريق الآخر فهو الذي يُشكل العقبة الأساس أمام الحل لأنه يريد المواجهة لا التوافق والحوار. حزب الله يرفع راية الحوار والتوافق وهم يرفعون راية التحدي والمواجهة ويرفضون الحوار لأنهم لا يريدون أي توافق بين اللبنانيين فهم أسرى أوهام وشعارات أكبر من أحجامهم”.
وفي انتظار نتيجة المفاوضات، أعلن المكتب الاعلامي في الصرح البطريركي في بكركي أمس، أن “البطريرك بشارة الراعي يتوجه الثلاثاء المقبل في 30 أيار الى العاصمة الفرنسية باريس، حيث يلبي الدعوة الرسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في إطار الجهود التي تبذلها فرنسا من أجل لبنان واللبنانيين. وقد حدد موعد اللقاء عند الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الثلاثاء في قصر الاليزيه”. وتحاول قوى المعارضة أن تنجز الاتفاق قبل زيارة الراعي، كون المبادرة الفرنسية مبنية على عدم وجود مرشح جدي آخر، ولذلك تحاول تحقيق معادلة التبادل بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة عبر دعم فرنجية.
وفي زمن الفراغ وتفكك الدولة وغياب تام للقضاء، يبدو أن أي اجراء حكومي سيتم رجمه بالأحجار الطائفية، فقد استنفرت منذ أول من أمس كل الطائفة الكاثوليكية للدفاع عن المدير العام لوزارة الصناعة داني جدعون، وبدأت الاتهامات يميناً وشمالاً بحق الرئيس ميقاتي، بالاضافة إلى التهجم على الثنائي الشيعي على خلفية وضع جدعون بالتصرف، إلا أن محاولة إظهار الأمر كغبن يلحق المسيحيين بقرار من المسلمين، لن يمكن تعميمه، فمن طلب محاسبة جدعون هو الوزير بوشكيان، لا الرئيس ميقاتي ولا الثنائي الشيعي. وعلقت مصادر وسطية لموقع “لبنان الكبير” على الضجة المثارة بالقول: “ان التهرب من المسؤولية يحتاج إلى الهاء الناس بالطائفية، ولا يهم القوى السياسية التي تنتهج هذا الأسلوب أي تبعات قد تحصل بسبب هذا الشحن الطائفي”.
وكان المكتب الاعلامي لبطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي طالب في بيان “رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بإعادة النظر والتراجع الفوري عن قرار وضع المدير العام لوزارة الصناعة داني جدعون بالتصرف، كون الحكومة مستقيلة”. وانتقد “اتخاذ مثل هذا القرار المجحف”، معتبراً أن “الواجب التصحيح بحق أحد من أبناء الطائفة المعروفة، بأنها جسر عبور بين المكونات اللبنانية، من جهة، وهي واحدة من الطوائف الست الرئيسة، من جهة أخرى، والتي تحولت في وقت من الأوقات إلى طائفة منتقصة الحقوق، بفعل التسويات الحاصلة على حسابها منذ ما بعد اتفاق الطائف”.
وسبق البيان حملة تديرها أطراف المفاوضات اليوم، وعلى رأسها “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” و”الكتائب”، بحيث شنّ نوابها ومسؤولوها حملة ضد الحكومة إثر الاجراء بحق جدعون، وانتهج العديد منهم لغة الطائفية.
أما الملف الذي أصبح الشغل الشاغل لدى اللبنانيين، أي النزوح السوري، وبعد الضجة التي أثيرت حول دولرة مساعدات اللاجئين، واعتراض أكثر من جانب رسمي وغير رسمي على هذا القرار، فقد أعلن كل من نائب المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان المنسق المقيم ومنسّق الشؤون الانسانية عمران ريزا، وممثّل المفوضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين إيفو فرايسن، وممثّل برنامج الأغذية العالمي عبد الله الوردات، تعليق تقديم المساعدات النقديّة لهم بالعملتين، أي بالليرة اللبنانية وبالدولار الأميركي للشهر المقبل.
وأعلنت الجهات المعنية في بيان مشترك، أنّه “نتيجة سلسلة لقاءاتٍ عُقدت بالأمس مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هكتور حجار، وبناءً على طلبهما، تمّ اتّخاذ القرار بتعليق تقديم المساعدات النقديّة بالعملتين للاجئين للشهر المقبل، في الوقت الذي تستمرّ فيه المناقشات حول الآليّة المناسبة الممكن اتّباعها”.