بيروت تخرق الفراغ بانتخاب درويش… رصاص التشييع “يوحد” الكحالة والضاحية

لبنان الكبير

أصبح لبيروت رئيس للبلدية فيما الشغور الرئاسي يقترب من سنته الأولى. لم تتحمل العاصمة غياب رئيس لبلديتها أكثر من أسبوعين في وقت تتعايش القوى السياسية مع الفراغ الرئاسي كل يوم أكثر من قبله، ومع كل تبعاته المدمرة اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً، وهذا ما شهده اللبنانيون من أقاصي القرنة السوداء إلى مخيم عين الحلوة وحتى الكحالة.

ولأن القاعدة السائدة في لبنان هي 6 و6 مكرر، إن حكم بالسجن على مجرم من طائفة معينة يجب أن يحكم على مجرم من طائفة أخرى، وإن ترقى ضابط من طائفة يجب ترقية آخر من الطائفة الأخرى، هي قاعدة ثابتة في كل المجالات من الادارة العامة حتى الاجراءات اليومية، ويبدو أن الأمر ينسحب أيضاً على السلاح ورصاص التشييع، إن كانت هناك ميليشيا مسلحة من طائفة يجب أن تمتلك طائفة أخرى سلاحاً وتطلق رصاص الابتهاج في تشييع قتيلها، وهذا ما حصل في تشييع ابن الكحالة فادي بجاني، حين أقدم “الأهالي” المطالبون بالدولة، على استنساخ مشهد الضاحية الجنوبية عند تشييع القتيل من “حزب الله” أحمد قصاص، فتحول الرصاص الغزير إلى شتاء وطال المناطق المجاورة، إلا أنه لم يصب سيارة وزير هذه المرة.

أسوأ ما في حادث الكحالة هو الاعتياد. اعتياد الفراغ وانهيار المؤسسات. اعتياد الواقع المفروض بقوة سلاح الأمر الواقع، وأكبر دليل على عدم اكتراث الشعب اللبناني بما يحصل من تطورات أمنية وسياسية ومالية، هو زحمة المؤسسات السياحية، واستمرار الحفلات والسهر، وكأن البلد على ما يرام.

والأنكى من كل ما سبق هو  اعتياد انتظار الخارج ليحل مشكلات البلد، بحيث يبدو أن الفرقاء السياسيين ينتظرون أن ينزل عليهم الحل بـ “الباراشوت”.

الجميع ينتظر أيلول، موعد عودة المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان، فيما علم “لبنان الكبير” أن الدفة تميل إلى مقاطعة المعارضة حوار لودريان، بل انها بعد حادثة الكحالة ازدادت تشدداً، واعتبرت أوساطها أن كل الأسماء المطروحة للرئاسة سقطت على “كوع” الكحالة، لأنها لم تتخذ مواقف حازمة من هذه الحادثة وبقيت على الحياد.

ولوحظ الهجوم الكبير لأركان المعارضة على قائد الجيش جوزيف عون، بسبب حادثة الكحالة، اذ اتهمه الكثيرون بأنه يسالم “حزب الله” بل ذهب البعض إلى اتهامه بالرضوخ لإرادته، وسط معلومات عن أن حمولة الشاحنة يمكن أن يسلمها الجيش الى الحزب تحت بند البيانات الوزارية “جيش وشعب ومقاومة”. فيما تترقب القوى السياسية خطاب الأمين العام لـ “حزب الله” يوم الاثنين في ذكرى حرب تموز، وكيف سيتطرق الى ملف الكحالة تحديداً، لأنه يسبب إحراجاً لحليفه “التيار الوطني الحر”، الذي يفاوضه على الرئاسة.

في هذه الأثناء، عقد مجلس بلدية بيروت جلسة إنتخابية أمس في محافظة بيروت برئاسة نائب الرئيس ايلي اندريا وفي حضور محافظ بيروت القاضي مروان عبود، تم خلالها إنتخاب عضو المجلس البلدي عبد الله درويش رئيساً لمجلس بلدية بيروت خلفاً للرئيس السابق للبلدية جمال عيتاني.

وشكر الرئيس الجديد في تصريح بعد الإنتخابات، أعضاء المجلس البلدي على ثقتهم “الغالية”، مؤكداً “تصميمه على العمل بكل عزيمة ليكون عند حسن ظنّهم وحسن ظن أهالي بيروت وكل الساكنين فيها”.

غير أن عاصمة الاعلام العربي توقف بث تلفزيونها الوطني الذي يعتبر واحداً من أقدم التلفزيونات العربية وكذلك في منطقة الشرق الأوسط، يوماً كاملاً أمس، وعاود بثه مساء. وفيما أشيع أن وزير الاعلام في حكومة تصريف الأعمال زياد مكاري أخذ قراراً بإغلاقه، عاد الأخير وأوضح أن “تلفزيون لبنان لم يُقفل ولا نية لديّ بذلك وكلّ ما نُشر كذب ونحن نُحاول معالجة المشكلات وغالبية مطالب الموظّفين حُقّقت”، مشيراً الى أن “تلفزيون لبنان سيعاود البث ونعمل مع جزء من الموظفين”. أما نقيبة الموظفين في تلفزيون لبنان ميرنا الشدياق فقالت: “فوجئنا صباحاً بالقرار الشفهي الصادر عن وزير الاعلام بوقف بث التلفزيون الرسمي على الرغم من أحقية مطالبنا ولم نتقاضَ أي زيادة في الرواتب منذ العام 2021”.

على صعيد آخر، التقى السفير السعودي في لبنان وليد بخاري حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري، وجرى استعراض العلاقات الأخوية بين البلدين الشقيقين ومناقشة المستجدات والتطورات الراهنة على الساحة اللبنانية على الصعد كافة بالإضافة إلى بحث عدد من الموضوعات ذات الإهتمام المشترك. وكتب بخاري عبر حسابه على منصة “إكس”: “سُعِدت بلقاء القائم بأعمال حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري وبحثنا خلال اللقاء آخر المُستجدات والتطورات التي تشهدها الساحة اللبنانية سياسياً واقتصادياً ومالياً وناقشنا عدداً من القضايا ذات الإهتمام المُشترك”.

اقتصادياً، وغداة تسلم السراي الحكومي من وزارة المالية تقرير “التدقيق الجنائي” المعد من  “الفاريز اند مارسال”، تسلم رئيس مجلس النواب نبيه بري التقرير النهائي الأولي للشركة، كما جرى تعميم التقرير على جميع  النواب.

في المواقف، أشار رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية بعد زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي في الديمان، إلى أن “المرحلة خطيرة وتحتاج الى الهدوء وأن يكون لدى الجميع تفكير وطني لتمرير هذه المرحلة الصعبة من تاريخ هذا البلد”، مؤكداً “اننا جميعاً وعلى رأسنا غبطة البطريرك نرى أن من الضروري أن تحل مشكلات لبنان وأولها انتخاب رئيس للجمهورية، وان شاء الله تكون الأشهر المقبلة واعدة للوصول الى اتفاق بيننا كلبنانيين لنتمكن من تخطي هذه المرحلة والوصول الى مرحلة أفضل”.

وفيما طغت المواقف حول حادثة الكحالة على المشهد، حذّر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خلال خطبة الجمعة من “اللعب بخطوط إمداد المقاومة، لأن لا مصلحة في ذلك إلا للصهيوني والعميل، والمقاومة خط وطني أحمر، ولا قيمة للبنان بلا مقاومة، والمقاومة فوق الطائفية، وأنتم تعلمون ذلك، وهي أكبر ضرورات سيادة لبنان”.

وفي السياق نفسه، رأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” الشيخ علي دعموش أن “ما جرى في الكحالة هو نتيجة التحريض والتجييش والكذب الذي لا ينفع في شيء سوى في دفع البلد نحو الفتنة التي يريدها أعداء لبنان وفي مقدمهم العدو الصهيوني”، لافتاً الى أن “البيئة المسيحية عموماً تعرف هذه الحقائق عن المقاومة ‏وهي ليست بيئة معادية للمقاومة، لكن حجم التحريض والتضليل والكذب الذي ‏تمارسه الميليشيات المسيحية والاعلام الخبيث المدفوع الثمن الذي يبث الأكاذيب ‏ويعمل على تجييش اللبنانيين ليلاً نهاراً ضد المقاومة، هو الذي يصنع مناخاً معادياً ‏للمقاومة لدى المسيحيين”. وأكد “أننا لن نسمح لهؤلاء الحاقدين ومن يقف خلفهم أن يأخذوا البلد نحو الفتنة”.

في المقابل، قال عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك في منشور عبر منصة “اكس”: “بين عين إبل والكحالة يرتسم شبح اتفاق القاهرة، وقد حل الحزب مكان المنظمات الفلسطينية. دولة بمؤسساتها متواطئة تظن أن تخاذلَها يجنب لبنان الفتنة فتَفقد هيبتها ويخاف شعبها ويتفلت السلاح. هذا ما حصل بين 1969 و1975. العبرة، المواجهَة بالحقائق الدولتية تُسقط الفتنة، والإنكار يحييها”.

وشدد عضو كتلة “الكتائب” النائب الياس حنكش في حديث تلفزيوني، على أن “لا قيام للبنان في ظل هذه الحالة الشاذة المتحكمة بالسلاح والبلطجة والهيمنة والسيطرة على مصير اللبنانيين”، مشيراً الى أن “التواصل مع فرقاء المعارضة كافة مستمر وبصورة يومية للذهاب نحو المواجهة غير التقليدية ووضع خطة انقاذية اصلاحية تعيد لبنان الى السكة الحقيقية”. وأوضح أن الحديث لم يتناول استخدام السلاح، و”لكن وبرأي حزب الكتائب أن الأطر المؤسساتية التقليدية لم تعد تنفع ولا تأتي بأي نتيجة”.

شارك المقال