“ساحات المشاغلة” تهادن… “الخماسية” تتحرك بين “الجبهات اللبنانية”

لبنان الكبير / مانشيت

تميز الوضع الميداني في الجنوب أمس بنوع من الهدوء المترافق مع تبادل قصف على مواقع سبق استهدافها، على غير العادة منذ بدء “معركة المشاغلة”، ما أثار أكثر من علامة استفهام، خصوصاً أن “ساحات المشاغلة” الأخرى شهدت هدوءاً مماثلاً، ليبرز السؤال: هل أعطت إيران أمراً لأطراف محور الممانمعة، بالتهدئة؟

ثمة أكثر من إشارة تتجمع في المشهد الاقليمي، بأن محور الممانعة يدفع الآن لدعم “حماس” بالمهادنة لمواصلة إحراج إسرائيل أمام حلفائها، خصوصاً الولايات المتحدة التي تنوي التقدم بمشروع قرار الى مجلس الأمن يطلب “وقفاً فورياً ودائماً” لحرب غزة، الأمر الذي تسبب في صدمة حقيقية لدى حكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، أشبه بطعنة في الظهر، لا مثيل لها في تاريخ العلاقات الأميركية – الاسرائيلية التي شهدت في الآونة الأخيرة سلسلة مواقف متباينة بل متناقضة بين الرئيس جو بايدن ونتنياهو.

للغرابة تبدو واشنطن، التي تحتاج الى هدنة رمضانية لأسباب عدة، لغايات انتخابية ومصالح سياسية واقتصادية في الشرق الأوسط، أقرب الى “حماس” التي صارت تراجع مقترحاتها للهدنة وفقاً لرد الفعل الأميركي لمزيد من إحراج نتنياهو ودق الإسفين أعمق بين واشنطن وتل أبيب.

وتوقف مراقبون عند اللقاء بين الحوثي و”حماس” في العاصمة السورية قبل أيام، بحيث خمّن البعض أن الطرف الفلسطيني سعى الى إقناع الطرف اليمني، بأن يهدئ هذه الفترة من عملياته في البحر الأحمر، بعدما تسبب في أضرار كبيرة للتجارة العالمية، ما استدعى تعبئة عسكرية بحرية غربية لمواجهة هذا التهديد، الأمر الذي ينعكس ايجاباً على اسرائيل ومنطقها بمواصلة الحرب في كل الاتجاهات.

اشارات تتجمع عند “القناة العُمانية” التي وفرت سابقاً أغطية عدة لإيران بصفقات سياسية مقابل منافع مالية، وهي تتحرك منذ مدة لإبقاء التواصل بين واشنطن وطهران خشية إفلات الأمور من سيطرة الطرفين، وهو ما يبدو أنه نجح حتى في تحييد إيران عن اللعبة الانتخابية الأميركية.

وسط هذه الأجواء، يتحرك سفراء اللجنة الخماسية الدولية في لبنان الذي يعيش بلا رأس، في محاولة جديدة للوصول إلى حل يؤدي الى انتخاب رئيس للجمهورية، ولكن يبدو أن القوى السياسية لا تزال على مواقفها، فالثنائي الشيعي يريد حواراً مسبقاً، والمعارضة ترفض، بينما “التيار الوطني الحر” يريد جمع المسيحيين في بكركي، التي أعلنت أمام “الخماسية” أن المسار الوحيد لانتخاب رئيس هو الالتزام بالدستور. وبين هذه المواقف التي تصدح من خلف المتاريس، تحاول “الخماسية” إيجاد حلول وسطى، تكون على شكل المشاورات التي سبقت التمديد لقائد الجيش، باعتباره حلاً ناجحاً، ولكن يبدو أن هذه الصيغة تواجه عقبات أيضاً، لا سيما من جهة الثنائي الشيعي، ما أعاد الأمور الى نقطة قبل التحرك الجديد لـ “الخماسية”، ودفع البعض إلى القول “الله يعينهم عاللبنانية”.

الميدان

في الغضون، سجل الميدان الجنوبي هدوءاً ملحوظاً أمس، غارات اسرائيلية واستهدافات من “حزب الله” تبدو كأنها تسجيل حضور لا أكثر، بحيث اقتصر القصف الاسرائيلي على ميس الجبل والعديسة وعيتا الشعب، فيما قصف الحزب 6 مواقع كان استهدفها في العديد من المرات سابقاً كرويسة القرن وتلة الطيحات وبياض وزبدين وبركة ريشا وحدب يارين.

عين التينة

وبدأ حراك سفراء “الخماسية” من عين التينة، حيث التقوا رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي قال: “اللقاء كان جيداً وسيتكرر، والتوافق قائم على ضرورة إنجاز التفاهم توصلاً الى تحقيق الإستحقاق”.

وأوضح السفير المصري علاء موسى أن “الهدف من هذا اللقاء هو بداية الحديث مع الرئيس بري للتأكيد على ما سبق وأعلنه، سواء أمامنا في اللجنة وفي وسائل الاعلام، أنه ملتزم ببذل كل المساعي من أجل إنتخاب الرئيس وتسهيل العملية الانتخابية”.

ورداً على سؤال عن طبيعة الخرق الملموس الذي تحقق في الملف الرئاسي، أجاب: “الخرق الملموس هو في الحقيقة، أن الكتل السياسية عندها قناعة الآن بأن التوافق في ما بينها هو شيء مهم للغاية. وعندما نتحدث عن التوافق معناه، أن الجميع عنده استعداد للحوار والنقاش والتشاور وصولاً الى أمر يتفق عليه الجميع وهذا ما نبحث عنه”.

بكركي: للالتزام بالدستور

ايجابية عين التينة لم تكن كذلك في بكركي، فقد نقلت مصادرها أن البطريرك بشارة الراعي جدد موقفه الرافض لتكريس أعراف تسبق الانتخابات الرئاسية وتحديداً الدعوة الى الحوار.

ولفتت المصادر إلى أن الراعي كان واضحاً في وصفه أن “الطريق القصيرة والسهلة لانتخاب رئيس هي تطبيق الدستور بدل سلوك طرق غير مضمونة النتائج، وذلك عبر عقد جلسات متتالية لإجراء الانتخابات وليفز عندها من يحصل على أكبر عدد من الأصوات”.

وعن رأي السفراء بموقف بكركي، علم أنه كان هناك تفهم منهم، إلا أنهم لمسوا أن الخلافات هذه لا تزال تشكل عائقاً أمام إنجاز الاستحقاق مع تمسك الفرقاء بمواقفهم.

“القوات” – التيار

بعد طلب رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل من البطريركية المارونية دعوة القيادات المسيحية للبحث في الاستحقاق الرئاسي، التي لا يبدو أنها مقبولة من الفرقاء المسيحيين الآخرين، ردت “القوات اللبنانية” بربط التجاوب مع باسيل بشرط أن يعلن “وجوب أن يسلِّم حزب الله سلاحه للدولة”.

وأشارت في بيان الى أن “الحوار قيمة مطلقة، وهو سبيل من سبل التفاهم للخروج من الأزمات”، مذكّرة بأن “التجارب منذ العام 2006 مريرة إلى درجة تحول معها الحوار محط تهكُّم من أن الهدف منه الصورة من دون أي مضمون”.

وأكدت أن “ما ينطبق على الحوار الوطني ينسحب على الحوار المسيحي، وفي الحالتين لم يعد الرأي العام اللبناني في وارد التساهل مع خطوات تفاقم غضبه، كونه لا يريد رؤية حوارات عقيمة ومصافحات لا تؤدي إلى نتيجة”.

هدوء حوثي

وكما في جبهة جنوب لبنان، شهد البحر الأحمر هدوءاً أمس، إذ لم تسجل أي حوادث أو ضربات غربية خلال 24 ساعة فيه وفي خليج عدن، على الرغم من تهديد الحوثيين المدعومين من إيران قبل أيام بتوسيع المواجهة إلى المحيط الهندي.

ويتزامن هذا الهدوء مع تسريبات عن مفاوضات تجريها ايران مع الولايات المتحدة في سلطنة عمان الوسيط الدائم على ما يبدو، بحيث التقى نائب وزير الخارجية الايراني علي باقري كني مع مبعوث الرئيس الأميركي بريت ماكغورك، والطبق الرئيسي كان الهجمات الحوثية، كما دار الحديث عن ملفات أخرى قد يكون لبنان بينها.

شارك المقال