اسرائيل تبتز العالم برفح… وتصعّد في لبنان

لبنان الكبير / مانشيت

لا يعير رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو اهتماماً للتحذيرات الدولية ولا الأميركية من اجتياح رفح، ويبدو أنه مصمم على استكمال الحرب بكل فظاعة، غير آبه بما سيسجله التاريخ عن يديه الملطختين بدماء نحو ٣٥ ألف فلسطيني، وهو رقم مرجح للارتفاع بصورة كبيرة إذا شابهت منطقة رفح، مناطق قطاع غزة الأخرى المدمرة، وقد لجأ اليها أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني من الهاربين من مناطق شمال القطاع، يبتز نتنياهو بهم العالم لا سيما الدول العربية. وبينما تحاول أميركا الضغط باتجاه وقف الحرب، عبر تعليق بعض شحنات أسلحتها إلى الكيان الاسرائيلي، نقلت وسائل الاعلام عن مسؤولين اسرائيليين قولهم ان تعليق الشحنات قد يقوّض مفاوضات الرهائن.

أما لبنان الذي رُبط مصيره بغزة رغماً عن ارادة شعبه، وتوعده وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت بـ”صيف ساخن”، فارتفع التصعيد فيه تزامناً مع التصعيد في رفح، اذ تبادل الجيش الاسرائيلي و”حزب الله” أمس القصف بصورة عنيفة، وقد يكون الأعنف منذ بدء الحرب، بحيث شهد الجنوب حزاماً نارياً امتد من عيتا الشعب حتى أطراف الريحان في قضاء جزين، استخدمت فيه اسرائيل صواريخ خارقة للتحصينات لأول مرة منذ بدء الحرب، أرعبت أصداء انفجاراتها حتى المواطنين البعيدين مئات الكيلومترات عن مكان استهدافاتها.

أضرار الجنوب 1.5 مليار

قدر مجلس الجنوب قيمة الأضرار التي لحقت بالمباني والمؤسسات بأكثر من مليار دولار منذ بدء التصعيد في 8 تشرين الأول حتى مطلع شهر أيار، بالإضافة إلى أضرار لحقت بالبنى التحتية قدرها بـ 500 مليون دولار. وحسب تقديراته فان المنازل المهدمة كلياً وصلت إلى 1700 منزل، بالاضافة الى 14 ألف منزل متضرر.

الميدان

تصاعد تبادل إطلاق النار بين “حزب الله” واسرائيل جنوباً بصورة غير مسبوقة أمس، مواكباً التصعيد في رفح، وشن الجيش الاسرائيلي هجمات واسعة النطاق بلغت إحدى جولاتها 20 غارة متزامنة في القطاع الأوسط، كما استخدم قنابل ارتجاجية. في حين أعلن “حزب الله” عن استهدافات لمنازل يتحصن فيها جنود إسرائيليون في 5 بلدات، وموقع عسكري بُعيد زيارة وزير الدفاع الاسرائيلي له وتوعَّد منه لبنان بـ”صيف ساخن”.

وأعلن الحزب في بيانات متعاقبة أن مقاتليه “استهدفوا مباني يستخدمها جنود إسرائيليون في مستعمرة المطلة التي قصف منزل فيها، ومستعمرة شلومي حيث تم استهداف مبنيين يستخدمهما الجنود، ومستعمرة المنارة حيث استهدف مبنى، ومستعمرة حانيتا حيث قُصف مبنيان يستخدمهما الجنود، ومستعمرة أفيفيم حيث استهدف مبنيان”.

كما أعلن عن سلسلة عمليات عسكرية، منها “هجوم جوي بمسيرات انقضاضية على مقر قيادة اللواء الغربي المستحدث في يعرا، ‏وأصابت هدفها بدقة”. ونفَّذ مقاتلوه هجوماً مركَّباً بالصواريخ الموجهة وقذائف المدفعية استهدفت موقع المالكية التي “أوقعت حاميته بين قتيل وجريح ودمرت تجهيزاته التجسسية”، وكذلك استهدفوا جنوداً إسرائيليين داخل إحدى دُشَم موقع المالكية بالصواريخ الموجهة، ومقر قيادة الفرقة 91 في ثكنة برانيت “بصاروخ بركان من العيار الثقيل”.

في المقابل، شن الطيران الحربي الإسرائيلي 20 غارة على جبل بلاط وأطراف بلدتي رامية وبيت ليف وعيتا الشعب، سُمِعت أصداؤها في مدينة صور. وأفيد أن الجيش الاسرائيلي استخدم قنابل ارتجاجية ضخمة سُمِعت تردداتها في الزهراني التي تبعد نحو 40 كيلومتراً.

وتم تناقل مشاهد استهداف بلدة عيتا الشعب وقالت وسائل إعلامية انها “قد تكون من أولى الاستعمالات الموثقة للقنابل الخارقة للتحصينات المعروفة بعائلة GBU الأميركية في لبنان بهذه الحرب”.

وأعلن الجيش الاسرائيلي، في بيان أنه هاجم أكثر من 20 هدفاً عسكرياً لـ”حزب الله” في راميا، كاشفاً أنه هاجم الأهداف بواسطة القصف المدفعي والطيران الحربي، ومن بين الأهداف مبان عسكرية وبنى تحتية عسكرية. وذكر في بيانه: “رصدنا بالتزامن انفجارات على هامش استهدافاتنا للمواقع، ما يُشير إلى مواقع أسلحة في المكان. وبالاضافة إلى ذلك، هاجم الطيران الحربي مبنى عسكرياً وبنية تحتية عسكرية لحزب الله في مروحين وكفركلا بجنوب لبنان”.

وأدَّت الغارات إلى اشتعال النار في الأحراج المتاخمة للخط الأزرق قرب بلدتي رامية وعيتا الشعب. كما نفَّذ الجيش الاسرائيلي غارات طالت إقليم التفاح ومحيط نبع الطاسة ومرتفعات جزين الجنوبية، واستهدف بلدة الخيام حيث تم تدمير منزل، ما أسفر عن مقتل 3 فلسطينيين كانوا موجودين داخله. واستهدفت غارة بلدة العديسة، حيث تحدثت معلومات عن وقوع إصابات.

وأفادت وسائل الاعلام أن المدفعية الاسرائيلية استهدفت أطراف الناقورة وكفرشوبا وحلتا وكفرحمام وبلدة يارون. وتعرضت الأحياء السكنية في بلدة عيترون لقصف مدفعي مصدره المرابض الاسرائيلية، و”استخدم الجيش الاسرائيلي في اعتداءاته القذائف الفسفورية المحرمة دولياً”.

غالانت يعد لبنان بصيف ساخن

وسط هذا التصعيد، التقى وزير الدفاع الاسرائيلي خلال جولة ميدانية في مقر الفرقة 91 بالمنطقة الحدودية مع لبنان، قوات الاحتياط التابعة لسلاح المدفعية العاملين في المنطقة. وقال: “المعركة الدفاعية معركة معقدة، هي معركة تتوقع فيها باستمرار ردود فعل العدو، ويكون فيها نشطاً على الدوام”.

أضاف غالانت: “أعتقد أن الفرقة بأكملها تنفذ هذه المعركة بطريقة ممتازة، لقد أبعدنا حزب الله عن خطوط التماس إلى مسافات كبيرة”، لكنه استدرك قائلاً: “هذا لا يعني أنه اختفى، لكنه ليس موجوداً هناك”، حسبما جاء في بيان صدر عن وزارة الأمن.

وتابع: “لدينا منظومات نارية كبيرة جداً وثقيلة جداً، وسنتأكد من تفعيلها إذا استدعت الحاجة وتوافرت الأسباب؛ عليك الاستعداد للمواصلة… هذا الصيف قد يكون حاراً”. ولم يكد غالانت يغادر الثكنة، حتى استهدفها “حزب الله” بصاروخ بركان “ثقيل”، بحسب ما أعلن.

تعليق شحنة أسلحة لاسرائيل

ويبدو أن الولايات المتحدة اتخذت خطوات عقابية ضد اسرائيل، بحيث أعلن مسؤول أميركي كبير أن إدارة الرئيس جو بايدن علقت إرسال شحنة أسلحة اليها الأسبوع الماضي اعتراضاً في ما يبدو على هجوم متوقع على رفح.

وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إن قرار الرئيس بايدن تعليق شحنة ذخائر شديدة الانفجار إلى إسرائيل اتُخذ في سياق خططها شن هجوم في رفح تعارضه واشنطن من دون ضمانات جديدة لحماية المدنيين. وشدد أوستن على أن التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن إسرائيل لا يزال “صارماً” وأن قرار تعليق شحنة الذخائر ليس نهائياً.

مع ذلك، أكد أن الولايات المتحدة تفضل “عدم حدوث قتال كبير في رفح، وأن أي عملية إسرائيلية يجب، على الأقل، أن تحمي أرواح المدنيين”.

وأضاف أوستن خلال جلسة في مجلس الشيوخ: “كنا في غاية الوضوح… منذ البداية أن إسرائيل يجب ألا تشن هجوماً كبيراً في رفح من دون وضع المدنيين في محيط تلك المعركة وحمايتهم في الاعتبار. ومن جديد، وبعد تقويمنا للوضع، علقنا شحنة واحدة من الذخائر شديدة الانفجار. لم نتخذ قراراً نهائياً بشأن كيفية المضي قدماً في ما يخص تلك الشحنة”.

في السياق، نقل موقع “أكسيوس” عن مصدرين مطلعين لم يسمهما أن مسؤولين إسرائيليين كبارا حذروا نظراءهم الأميركيين من أن قرار إدارة بايدن تعليق بعض شحنات الأسلحة إلى إسرائيل قد يقوّض مفاوضات الرهائن.

رفح والمفاوضات

وكان الجيش الاسرائيلي شن غارات جوية على مدينة رفح، ونشر دباباته حيث سيطر على المعبر الحدودي مع مصر، ما أدّى إلى قطع الممر الرئيسي لقوافل المساعدات الانسانية إلى القطاع الفلسطيني المحاصر.

وقال الجيش في بيان: “بناء على معلومات استخباراتية عن إرهابيين ينشطون في المنطقة، تشنّ القوات الاسرائيلية غارات مستهدفة على الجانب الغزاوي من معبر رفح في الجزء الشرقي من رفح. وتم القضاء على عدد من الارهابيين خلال اشتباكات” منذ اليوم السابق، فيما اكتشف الجنود “فتحات أنفاق” ودمّروها.

إلى ذلك، استؤنفت المفاوضات غير المباشرة في القاهرة أمس الأربعاء بهدف التوصل إلى هدنة وتجنّب “حمام دم” في رفح في حال وقوع هجوم. وحضر الى العاصمة المصرية ممثلون عن إسرائيل و”حماس”، وكذلك عن الدول الوسيطة قطر ومصر والولايات المتحدة.

وفي السياق نفسه، أجرى مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز محادثات مع نتانياهو في القدس في إطار جهود واشنطن للتوصل إلى هدنة.

وقال مسؤول إسرائيلي لوكالة “فرانس برس”، إنّ الجانبين “بحثا احتمال وقف إسرائيل عملياتها في رفح مقابل إطلاق سراح الرهائن”.

شارك المقال