والدة شهيدات عيناتا… بين التحلّي بالايمان وألم الفقد

منى مروان العمري

منذ لحظة وقوع مجزرة عيناتا في جنوب لبنان في الخامس من تشرين الثاني، نالت أم الشهيدات الثلاث حيّزاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت هي الخبر الذي يتداوله الناس بعد أن أثار هدوؤها وكلامها ورد فعلها ضجة واسعة. وعلى الرغم من هول المجزرة التي حلّت بوالدتها سميرة عبد الحسن أيوب وبناتها ريماس (14 عاماً) وتالين (12 عاماً) وليان شور (10 أعوام)، إلا أن هدى حجازي أشعلت مواقع التواصل، حين سألتها وسائل الاعلام عما أحسته عندما رأت النار تلتهم سيارتها وأمها وبناتها في الداخل يصرخن لها، هل التهمت النيران قلبها؟ وعن حالها عند تشييعهن، وبعده؟ وعندما استفاقت أتى جوابها: “برداً وسلاماً على قلوب حزنت لها”.

إنقسام الآراء والنتيجة واحدة

موقف هذه الأم أدى الى انقسام الآراء بين المبجل والمشيد برد فعلها وبين المستغرب من هدوئها وسكينتها، باعتبارها تبقى أماً ووجعها الخفيّ لا يستطيع أحد وصفه.

وفي هذا الاطار، أوضحت دكتورة وأكاديمية متخصصة بعلم النفس لموقع “لبنان الكبير” أن “شخصية كل انسان تحدد سلوكه وانفعالاته واستجاباته مع المواقف، وتتأثر هذه الأمور بالعديد من العوامل منها الايديولوجية المتعلقة بالدين والسياسة ومدى تمسك الفرد بهذا العامل، فالدين ومستوى الايمان يلعبان دوراً كبيراً في عملية تقبّل مواجهة المواقف الصعبة، وكل انسان يختلف بحسب الفروق الفردية عن الآخر، وليس كل الناس يستجيبون بالطريقة ذاتها في الموقف نفسه، فعندما قالت الأم بأن الملائكة أخذت بناتها، هذا يدل على أنها إمرأة تتسم بالايمان القوي والصبر الأمر الذي أوصلها الى هذا السلوك”.

أضافت: “الأمر الأول هو أن ردود فعل الناس تنقسم بحسب فروقهم الفردية ولا يمكننا أن نحلل أو أن نعطي وجهة نظر علمية عمّا يحصل، ونحن عملياً لا نعلم اذا كانت تحت تأثير عقار أو مسكّن معين. أما الأمر الثاني فهو أن هدى تتكلم مع الاعلام، وتوجه رسالة قد تكون مقتنعة بها وقد لا تكون، ومن الممكن أن تكون مقتنعة ولكن بطريقة مبالغ بها، وخصوصاً أن رسالتها موجهة عبر وسيلة اعلامية معنيّة ببيئة معينة وبجمهور معين وايديولوجيا معينة، ولا نعلم ما اذا كانت رسالتها موجهة الى جمهور حزب الله فقط أم الى كل العالم. الأمر الثالث هو أن الأم لا شك تعرضت الى صدمة، فقد شاهدت بناتها وأمها يحترقن أمام عينيها، واستطاعت أن تصف المشهد وكيف كان رد فعلها منذ اللحظة الأولى مروراً بنطقها الشاهدة الى أن أخذت الملائكة بناتها، وهنا لا نعلم ما اذا كانت هذه تهيؤات أم تخيلات تحاول ربما من خلالها اقناع نفسها، ولكن الأمر المتفق عليه هو أن هدى وضعها غير سوي لأنها تحت تأثير صدمة حقيقية والموضوع لا شك معقّد”.

“هيومن رايتس”: الإستهداف يرقى إلى جريمة حرب

الى ذلك، دعت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، إلى التحقيق في الضربة الاسرائيلية التي أودت بحياة سميرة عبد الحسين أيوب وحفيداتها في بلدة عيناتا الجنوبية، معتبرة أنّ الاستهداف قد يرقى إلى “جريمة حرب”.

ورأى الباحث في الشأن اللبناني في “هيومن رايتش ووتش” رمزي قيس في بيانٍ، أن “الهجوم الذي شنّته القوات العسكرية الاسرائيلية يظهر استخفافاً متهوّراً بحياة المدنيين”، معتبراً أن “مقتل الفتيات الثلاث مع جدّتهن يعد انتهاكاً لقوانين الحرب، ويتعيّن على حلفاء إسرائيل، وبينهم الولايات المتحدة، الردّ على ما يبدو بمثابة جريمة حرب عبر المطالبة بالمساءلة عن هذه الضربة غير القانونية”.

وبحسب التحقيقات التي أجرتها “هيومن رايتس ووتش”، لم تجد “أيّ دليل على وجود هدف عسكري في محيط السيارة المستهدفة والتي كانت تقلّ الضحايا”، مضيفة: “حتى وإن كان هناك هدف عسكري، فإن استهداف سيارة تقل مدنيين يجعل من الضربة غير قانونية”. واتّهمت الجيش الاسرائيلي بـ”الفشل في التمييز بين المقاتلين والمدنيين”.

وكان خال الفتيات سمير أيوب، أوضح في مقابلة تلفزيونية ليلة الهجوم أن “العائلة كانت متوجهة إلى بيروت من جنوب لبنان في وقت متأخر من بعد الظهر عقب قصف عنيف شنّته القوات الاسرائيلية على المنطقة ذلك اليوم”، مؤكداً أن الفتيات، ووالدتهن التي كانت تقود السيارة، وجدّتهن كُنّ الوحيدات في السيارة”. ونُقل عن مدير مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل، أن “جثث الفتيات وجدّتهن احترقت بالكامل”.

شارك المقال