الاعتذار قبل الانفجار

زاهر أبو حمدة

انشغل الرأي العام الفلسطيني بقصة الكوفية ونزعها في جامعة الأزهر في غزة. حُل الأمر ولفه النسيان باعتبار أن حدثاً يغطي على حدثٍ آخر. كان يمكن للمسألة ألا تأخذ أبعاداً سياسية وإيديولوجية لو أن أحداً من أمن غزة اعتذر فوراً واعداً بعدم تكرارها. أخطاء كثيرة كانت تحتاج لاعتذار كي لا تتفاقم ولاحتواء تداعياتها. هذا إذا ما تحدثنا عن الخطايا الكبرى من الانقسام المستمر منذ عام 2007، وما سبقه ولحقه من زلّات وغفلات وكبوات وهفوات إضافة الى الآثام والذنوب السياسية والأمنية.

من المؤسف أننا لا نملك ثقافة الاعتذار، وفي أذهاننا دوماً أن المعتذر هو الضعيف علماً أن المعتذر هو الشجاع والاعتراف بالذنب فضيلة عظيمة، وبهذا الاعتراف تُشفى القلوب من الحقد والبغض والقطيعة. نفتقد شجاعة الاعتذار، على المستوى الفردي والجماعي. وقبل أيام حدث أن اختلف شخصان وعلا صوتهما، فتدخل المصلحون وأجلسوهما معاً، ومع ذلك لم ينطق أحدهما بكلمة “أنا اعتذر، أنا آسف، I am sorry… الخ”، وانتهى الأمر بـ”تبويس لحى” بلا أي تكاليف إخضاعية للطرفين.

أما إذا أُجبرنا على الاعتذار فيكون موارباً، لأنه حين قتل رجال أمن في السلطة الناشط نزار بنات، لم يقدم المسؤولون اعتذاراً إلا بعد ضغط شعبي ودولي، ولم يُعلن صراحة انما في مقابلة مع وسيلة اعلام اجنبية.

هكذا تعامل مع الأفراد وذويهم، ومع الشعب عموماً، يضعنا في أسفل القاع من دون التفكير خارج الصندوق. فكيف إذا طالبنا حركة “حماس” بالاعتذار عن أحداث ربيع 2007 في غزة، أو طالبنا “منظمة التحرير” بالاعتذار عن توقيع اتفاق أوسلو. في المقابل، نطالب المملكة المتحدة بالاعتذار عن وعد بلفور. هذا فيه صعوبة نفسية قبل السياسية، فمن سيعترف بالخطأ لتصحيحه.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، يمكن اعتبار خطاب الرئيس محمود عباس، أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة واعطائه مهلة عام واحد لإسرائيل كي تنسحب من أراضي الدولة الفلسطينية إلى حدود عام 1967، سنجده اعترافاً غير صريح بفشل أوسلو ومسار المفاوضات منذ أكثر من 30 عاماً. يعرف أبو مازن وجو بايدن ونفتالي بينيت ومعهم الرباعية الدولية أن هذه المهلة لن تقدم أو تؤخر ولن يتغير أي شيء على أرض الواقع. لكن الرئيس الفلسطيني يطلق تحذيراً قبل الانفجار الشعبي، وهو يدرك ذلك تماماً أن انسداد الأفق السياسي يتحول تلقائياً لصدام ميداني. ويمكن لعباس أن يراهن على شعبه مع بعض أوراق القوة في المعركة الديبلوماسية والقانونية والأمنية، إنما الأهم هو الصراحة مع الناس.

ولكي نثبت الصراحة كأسلوب غير شعبوي، لا بد من أن يعتذر الساسة الفلسطينيون من شعبهم عما وصلت اليه الأمور والمراهنة مرة على البيت الأبيض وعلى أنظمة عربية والاتحاد الأوروبي في مرات كثيرة. فالأكيد أن المرحلة المقبلة حُبلى بالمتغيرات الكبرى على المستوى الإقليمي وربما تكون فلسطين هي بداية التغيير للإقليم وليس العكس.

شارك المقال